Author

الاندماجات ومسارات الاستثمار والأسهم

|

تحدث عمليات الاندماج بين الشركات بطرق مختلفة، مثل تحويل النقد، أو تحمل الالتزامات، أو إصدار أدوات حقوق الملكية، أو أي مزيج من هذه الأدوات، بل يحدث الاندماج دون إصدار أي مقابل على الإطلاق، وذلك من خلال العقد وحده، حيث يتم دمج الأعمال بطرق لتلبية الأهداف القانونية، أو الضريبية، أو غيرها من الأهداف، بما في ذلك أن يصبح أحد الكيانات شركة تابعة لكيان آخر.
غالبا ما يكون المستحوذ هو الكيان الأكبر الذي يحول النقد أو الأصول الأخرى، وفي الأغلب أيضا لكن ليس دائما يقوم المستحوذ بإصدار حصص حقوق الملكية عندما يكون الاتفاق على ذلك وتكون هناك حصة أقلية، وتختلف صفقات الاندماج عند تحديد تاريخ الاستحواذ، فقد يكون تاريخ الاستحواذ هو تاريخ إغلاق ليوم محدد هو نفسه تاريخ الاتفاق فعليا، أو قد يحدد تاريخ سابق أو متأخر له. لكن ما الذي يحكم هذه الخيارات جميعا؟ تحتم الحالة الاقتصادية العامة واتجاهات الطلب وأسعار الفائدة كل ذلك.
ومن تجارب الدراسات الاقتصادية تبين أن نشاط الاندماج يأخذ نمطا موجيا متقلبا عبر الأعوام، حيث ينشط في أعوام ويتراجع في أخرى، وبذلك لا يأخذ نمطا متصاعدا باستمرار، سواء على مستوى الصناعات، أو التقييم. وتأتي ردة فعل الأسواق لإعلان عمليات الاستحواذ، في الأغلب سلبية بالنسبة إلى أسهم الكيانات المستحوذة، وإيجابية بشكل ملحوظ لأسهم الكيانات المستهدفة. وإن هذه التقلبات شهدتها صفقات الاندماج ما بين 2007 و2021. ففي هذا الشأن أكد تقرير نشرته "الاقتصادية" أن صفقات الاندماج والاستحواذ شهدت طفرة غير مسبوقة خلال العام الماضي 2021، متجاوزة بخمسة تريليونات دولار لأول مرة على الإطلاق، وهي بهذا تزيد 64 في المائة على 2020، ومتفوقة بفارق كبير على الرقم القياسي السابق البالغ 4.55 تريليون دولار المسجل في 2007، بينما سجل 2014 مبلغ 3.44 تريليون دولار. هذه الأرقام توضح مستوى ومدى التقلبات في سوق الاستحواذات العالمية، حيث تتخذ مسارا تصاعديا حتى مع اتجاهات أسواق الأسهم. وتختلف المحركات الدافعة للاستحواذ في كل فترة، فإذا كان المحرك الرئيس للاستحواذ 2007 الصناديق السيادية خصوصا، والقطاع البنكي أيضا، وشركات الاتصالات، فإن المحرك للصفقات 2021 يأتي مختلفا نوعا ما.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن سبعا من الصفقات العشر الكبرى أتت من نصيب قطاعي النقل والصحة، بثلاث صفقات لكل قطاع، بينما أتت الصفقات الأخرى من نصيب قطاعات: الإعلام، والطيران، والتقنية المالية. ومن حيث القيمة تصدرت صفقة القطاع الإعلامي المشهد باندماج ديسكفري كوميونيكيشنز "الولايات المتحدة" مع شركة وارنر ميديا "الولايات المتحدة" بقيمة 43 مليار دولار.
هذا يعطي إشارات لاتجاهات الاستثمار في الاقتصاد العالمي، فالإعلام والصحة والنقل، تتصدر المشهد عموما، إما عددا وإما قيمة.
وإقليميا كما هي العادة، فإن أكثر الأسواق العالمية نشاطا في الاستحواذ هي الولايات المتحدة، حيث كانت شركة أمريكية على الأقل بين ثماني صفقات من العشر الكبار، بينما حلت سنغافورة ثانيا بصفقة في مجال النقل التشاركي، بين شركة جراب وشركة ألتميتر كابيتال "الولايات المتحدة" بقيمة 39.6 مليار دولار، وظهرت الشركات الكندية في قطاعي النقل والاتصالات، حيث اندمجت شركتا الاتصالات الكندية "روجرز" "شو" للاتصالات "كندا" بقيمة 26 مليار دولار.
وحافظ القطاع العقاري والسوق الاقتصادية الألمانية معا على فرصة ضمن الاتجاه الاستثماري العالمي بعاشر أكبر صفقة اندماج في العالم خلال 2021 بين فونوفيا "ألمانيا" ودويتشه ونن "ألمانيا" بقيمة 22.7 مليار دولار.
وإذا كانت الأنشطة الاقتصادية المتمركزة حول قطاعات الصحة، والنقل، والتقنية المالية، والعقار، تقود الاستثمارات العالمية اليوم، فإن المبررات بشأن حجم قيمة الاستحواذ العالمي الذي بلغ خمسة تريليونات دولار لأول مرة على الإطلاق، تضع أسئلة بشأن هذه الأرقام.
في حين تشير البيانات إلى أن هذه الأرقام غذتها سهولة توافر التمويل الرخيص، وازدهار أسواق الأسهم، وهذه نتيجة مهمة، نظرا إلى أن اتجاهات الفائدة وأسعار الأسهم تفرض واقعا على قيمة الاستحواذ وليس بالضرورة عددها، فالتقلبات في قيمة، وعدد صفقات الاستحواذ بين عام وعام، أو فترة اقتصادية وأخرى، ترجع إلى ثلاثة أمور معا، هي: أسعار الأسهم، والفائدة، وسهولة الوصول للتمويل.
ونظرا إلى أن 2021 شهد تقييمات مرتفعة لسوق الأسهم، تزامنا مع سياسات نقدية تيسيرية في العالم أجمع، وإعسار فائدة هي الأقل منذ عقود، فقد منح ذلك المديرين التنفيذيين للشركات القدرة على الوصول إلى تمويل رخيص، ما شجعهم بدوره على السعي وراء أهداف كبيرة، ونتيجة لذلك أبرمت صناديق الاستحواذ والشركات والممولين 62193 صفقة في 2021، بزيادة قدرها 24 في المائة عن 2020. وفي ظل هذه العوامل، فإن هناك ضبابية بشأن استمرار تصاعد معدلات إبرام الصفقات في العام المقبل، نظرا إلى توقعات ارتفاع أسعار الفائدة، الذي يلوح في الأفق، فتزايد أسعار الفائدة يزيد تكاليف الاقتراض، ما قد يبطئ نشاط الاندماج، والاستحواذ، ومع ذلك، لا يزال مستشارو الصفقات يتوقعون موجة من عمليات الاندماج الكبيرة خلال 2022.

إنشرها