Author

تغيير النظام في الاقتصاد العالمي «1 من 2»

|

خلال عام 1979، حصل ويليام آرثر لويس الخبير الاقتصادي الأمريكي على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لتحليله ديناميكيات النمو في الدول النامية. ولسبب وجيه، أثبت إطاره المفاهيمي أنه بالغ الأهمية في فهم وتوجيه التغيير الهيكلي لعديد من الاقتصادات الناشئة.
وتكمن الفكرة الأساسية التي طرحها لويس في أن تبدأ الدول النامية النمو من خلال توسيع قطاعات التصدير الخاصة بها التي تستوعب فائض العمالة في القطاعات التقليدية مثل الزراعة. ومع زيادة الدخل والقوة الشرائية، تتوسع القطاعات المحلية إلى جانب القطاعات القابلة للتداول. تميل معدلات الإنتاجية والدخول في قطاعات التصنيع كثيفة العمالة في المناطق الحضرية إلى حد كبير إلى أن تكون مرتفعة بمقدار ثلاثة إلى أربعة أضعاف مما هي عليه في القطاعات التقليدية، لذلك يرتفع متوسط الدخل أكثر كلما عمل عدد أكبر من الناس في قطاع التصدير المتنامي. ومع ذلك، كما أشار لويس، فإن هذا يعني أيضا أن نمو الأجور في قطاع التصدير سيظل منخفضا ما دام هناك فائض في العمالة في قطاعات أخرى.
وفي حين لا يمثل توافر اليد العاملة عائقا، فإن العامل الرئيس فيما يتعلق بالنمو يتلخص في مستوى الاستثمار الرأسمالي، وهو أمر ضروري حتى في القطاعات كثيفة العمالة. تعتمد العائدات التي تحققها هذه الاستثمارات على الظروف التنافسية في الاقتصاد العالمي.
يمكن أن تسفر هذه الديناميكيات عن معدلات نمو مرتفعة بشكل هائل تستمر في بعض الأحيان لأعوام، بل حتى لعقود. لكن هناك حدود: فعندما ينفد المعروض من العمالة الفائضة، يبلغ الاقتصاد ما يسمى بنقطة تحول لويس. وعادة ما يحدث هذا قبل أن يخرج بلد ما من نطاق الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى. فقد وصلت الصين، على سبيل المثال، إلى نقطة تحول لويس قبل 10 إلى 15 عاما، الأمر الذي أحدث تحولا كبيرا في ديناميكيات النمو في البلاد.
عند بلوغ نقطة تحول لويس، لم تعد التكلفة الضمنية لنقل مزيد من العمالة من القطاعات التقليدية إلى القطاعات الحديثة ضئيلة للغاية. فقد بدأت الأجور تعرف زيادة ملحوظة في جميع أنحاء الاقتصاد، ما يعني أنه إذا كان للنمو أن يستمر، فلا بد أن يكون مدفوعا ليس بتحويل العمالة من القطاعات منخفضة الإنتاجية إلى القطاعات عالية الإنتاجية، بل من خلال زيادة الإنتاجية داخل القطاعات. ونظرا إلى صعوبة إتمام هذا التحول في كثير من الأحيان، تحدث نقطة تحول لويس عندما يقع عديد من الاقتصادات النامية في فخ الدخل المتوسط.
يستحق نموذج النمو الذي وضعه لويس إعادة النظر حيث يتم اليوم اعتماد نموذج مماثل. عندما بدأ الاقتصاد العالمي في الانفتاح وأصبح أكثر تكاملا منذ عدة عقود، تحولت أعداد كبيرة من الأيدي العاملة والقدرة الإنتاجية التي كانت منفصلة ويتعذر الوصول إليها في الاقتصادات الناشئة إلى قطاعي التصنيع والتصدير، ما أسفر عن نتائج مذهلة. فقد ابتعد نشاط التصنيع عن الدول المتقدمة، ونمت الصادرات في الاقتصادات الناشئة بسرعة أكبر من الاقتصاد العالمي.
ونظرا إلى الحجم الهائل للعمالة منخفضة التكاليف نسبيا في الاقتصادات الناشئة خاصة الصين، تراجع نمو الأجور في القطاعات القابلة للتداول في الاقتصادات المتقدمة، حتى عندما لم يتحول النشاط إلى الاقتصادات الناشئة. فقد تم تقويض القدرة التفاوضية للعمالة في الاقتصادات المتقدمة، وانتقلت الضغوط السلبية على الأجور المتوسطة ومنخفضة الدخل إلى القطاعات غير القابلة للتداول مع تحول العمالة المستغنى عنها في قطاع التصنيع نحو قطاعات غير قابلة للتداول.
لكن هذه العملية انتهت عموما. لقد تحول عديد من الاقتصادات الناشئة إلى دول متوسطة الدخل، ولم يعد الاقتصاد العالمي يمتلك قدرا أكبر من العمالة منخفضة التكلفة التي يمكن الوصول إليها لتعزيز الديناميكية السابقة. وبطبيعة الحال، لا تزال هناك مجموعات غير مستغلة من العمالة والقدرة الإنتاجية المحتملة في إفريقيا، على سبيل المثال. ومع ذلك، من غير المحتمل أن يدخل هؤلاء العمال قطاعات التصدير المنتجة بالسرعة الكافية وعلى نطاق كاف على الزخم السابق لنقطة التحول.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.

إنشرها