FINANCIAL TIMES

وميض السندات الألمانية يوضح سرعة تغير مزاج السوق

وميض السندات الألمانية يوضح سرعة تغير مزاج السوق

التقلبات قصيرة المدى في السندات أمر لا مفر منه، لكن يجب الحذر من توقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة أو حتى خفضها.

لا أقصد إثارة القلق، لكن حدث شيء غريب بالفعل في الأسواق المالية الأسبوع الماضي، لفترة وجيزة، كان يتم الدفع للمستثمرين لشراء الديون التي تصدرها ألمانيا، الحكومة المقترضة التي تشتهر بحصافتها. ما هذا السحر؟
هذه واحدة من أكثر السندات أمانا على هذا الكوكب - فهي جذابة للغاية للمستثمرين العالميين لدرجة أن الطلب دفع عائدات السندات القياسية لأجل عشرة أعوام إلى المنطقة السلبية منذ 2019. هذا يعني أن المستثمرين اضطروا بالفعل إلى الدفع مقابل حيازة سندات الحكومة الألمانية.
يقول المثل لا تبيع أبدا سندات الحكومة الألمانية. لكن يبدو أن بعض مديري الصناديق فعلوا ذلك بالضبط الأسبوع الماضي، ورفعوا العائدات. الأهم من ذلك، كانت ذروة تلك العائدات أعلى من الصفر. بالفعل، هذه هي نهاية الزمان.
أنا أمزح بالطبع. ارتفع العائد على تلك السندات ارتفاعا كبيرا بلغ 0.02 في المائة "اقرع الطبول من فضلك". لم تدم الإثارة طويلا. في النهاية، كانت جاذبية السبات العميق أكثر من اللازم بالنسبة إلى السوق، لذلك عادت العائدات إلى ما دون الصفر بعد ذلك بوقت قصير.
مع ذلك، كانت هذه لحظة مهمة، ليس فقط لأنها تقدم لمحة عن بداية نهاية تجربة أوروبا الطويلة مع العائدات السلبية. في الأسواق، في الأغلب ما يتحدث الناس بعبارات ضعيفة عن معايير مهمة تخترق مستويات "مهمة نفسيا". في الواقع، هذه بشكل عام مجرد أرقام تقريبية. لكن هذه الأرقام لم تتجاوز الصفر، ولم تكن عائدات السندات لأجل عشرة أعوام إيجابية لفترة طويلة جدا. تغير المزاج في الأسواق العالمية بسرعة.
ألمانيا نفسها، أو منطقة اليورو، ليست محور التركيز هنا بالفعل. بدلا من ذلك، كما هي الحال دائما، يعود هذا الحدث إلى سياسة أسعار الفائدة الأمريكية وسيطرتها الشاملة على أسعار الأصول العالمية.
قبيل نهاية العام الماضي، بدأ المستثمرون يأخذون احتمال أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة على محمل الجد. بدأ هذا العام بتزايد اليقين بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام. الآن، تميل الأسواق بشدة نحو الرأي القائل إنها قد تكون أربع مرات. بل إن احتمال زيادتها نصف نقطة مئوية بحلول آذار (مارس)، وهو احتمال مستبعد، اكتسب بعض الزخم.
حتى إن جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف جيه بي مورجان، افترض إمكانية أن تكون هناك ست أو سبع زيادات في أسعار الفائدة هذا العام. سأشعر بالفضول لمعرفة كيف حدث هذا في فريق الخبراء الاقتصاديين المتخصصين في المصرف، الذي يتوقع أربع زيادات.
رأي ديمون لا يمثل وجهة النظر السائدة ولا المحايدة. من الواضح أنه شخصية مهمة لكنه ليس خبيرا استراتيجيا في أسعار الفائدة، والمصارف عموما تعمل بشكل جيد في البيئات التي ترتفع فيها أسعار الفائدة. لكن حقيقة أن الأشخاص المهمين يقولون أمورا كهذه علنا تخبرك بالتحديد عن سبب ارتفاع عائدات السندات الحكومية الأمريكية، وبالتالي ارتفاع العائد على السندات الحكومية الألمانية، والانخفاض الجزئي في أصول المضاربة. إشارات "بيع كثيف في الأسواق" الحمراء على قناة سي إن بي سي كانت تعمل بجد.
سرعة التغيير في التوقعات هي بحد ذاتها سبب لتوخي الحذر. يقول مارتن هورن، رئيس الدخل الثابت العام العالمي في "بيرينجز"، "أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها الناس هو التفكير في عقلانية الأسواق المالية. تبحث السوق عن إجابات لكنها في الأغلب ما تكون خاطئة".
مع ذلك، يجدر بنا أن نحاول أن نوضح بمزيد من التفصيل كيف يمكن للدورة الوشيكة لارتفاع أسعار الفائدة أن تنتشر عبر الأسواق. مشكلة السوق الهابطة التي تم توضيحها بشكل جذاب الأسبوع الماضي من قبل جيريمي جرانثام من "جي إم أو"، هي أن الاحتياطي الفيدرالي سهل "فقاعة خارقة" عبر الأسواق وأوجد "مصاص دماء" أثبت مقاومته للموت. الآن "يبدو كما لو أن العوامل التي تدمر الثقة تهاجم الأكثر مضاربة وتعرضا للخطر أولا ثم تشق طريقها (...) لبدء الأحداث الجنونية". يقر جرانثام على أن المشكلة هي أنه قال هذا تقريبا في كانون الثاني (يناير) 2021 أيضا. منذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 17 في المائة.
يشير مصرف جولدمان ساكس إلى أن الحقبة الجديدة لا يجب بالضرورة أن تكون مؤلمة للغاية. قال في مذكرة نشرها في منتصف كانون الثاني (يناير)، "دورات رفع الاحتياطي الفيدرالي التسع منذ السبعينيات كانت في الغالب (إيجابية للأصول ذات المخاطر العالية). نعتقد أن مستثمري الأسهم يجب أن يتزايد قلقهم عندما يتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة أو حتى يخفضها، لأن ذلك يشير إلى تزايد المخاطر على الدورة".
بالتأكيد، التقلبات قصيرة المدى أمر لا مفر منه. هبوط مؤشر ناسداك المركب إلى منطقة التصحيح الأسبوع الماضي بعد انخفاض 10 في المائة عن الارتفاعات الأخيرة دليل كاف على ذلك. لكن هذا يرجع في الغالب إلى الوتيرة السريعة التي تحول بها المستثمرون إلى صقور، كما يشير محللو "جولدمان ساكس".
يقول مارك سوبيل، الرئيس الأمريكي لمؤسسة أو إم إف آي إف OMFIF الفكرية، إن أسواق الأسهم تتلقى ببطء رسالة مفادها أن رأي الاحتياطي الفيدرالي قد تغير بشكل حاد. يشير أيضا إلى أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الأمريكية لا يزال أعلى مما كان عليه في أيلول (سبتمبر). يقول، "من المؤكد أن توقعات السياسة النقدية تسببت في بعض أيام التراجع للسوق، خاصة بالنسبة إلى قطاع التكنولوجيا. مع ذلك، لا تزال الأسهم تحظى بتقييمات عالية".
أضاف، "قد تكون هناك هزة في الاتصالات (...) يمكن أن تساعد هزة مدروسة على مواءمة الأسواق المالية والظروف بشكل أفضل مع خطاب الاحتياطي الفيدرالي وتوقعاته، دون التسبب في تقلب لا داعي له. في حين أن قول هذا أسهل بكثير من فعله، إلا أن الموهبة في الأسلوب وانتقاء الكلمات التي يتمتع بها الكتاب المتميزون من موظفي الاحتياطي الفيدرالي يجب أن تجعلهم قادرين على التنقل بسهولة في مثل هذه المياه الضحلة".
راقب مؤشر السندات الحكومية الألمانية "المهم نفسيا" لترى مدى نجاحهم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES