Author

استثمارات ناشئة بأفكار جريئة

|

الاستثمار في رأس المال الجريء هو استثمار مؤقت في مشروع واعد بالنمو والعوائد، وفي معظم الأحوال يكون هذا المشروع صغيرا، أو متوسط الحجم، وغالبا ما تأتي المساعدة الإدارية مع الاستثمار. ورأس المال الجريء يتركز حول تمويل المراحل المبكرة للشركات الجديدة، التي تسعى إلى تحقيق نمو سريع، وأثبت جدواه مع مشاريع التكنولوجيا المتقدمة في وادي السيليكون في الولايات المتحدة. وبالنسبة إلى الاستثمار فيه، يتوقع المستثمر إما حصة أقلية في الشركة، وإما حقا غير قابل للإلغاء في الاستحواذ عليها. وعلى عكس الاستثمار التقليدي، يتوقع أصحاب رأس المال الجريء عادة مزيدا من المخاطر وفترة أولية أطول من التدفقات النقدية السالبة، لكن الضمانات هنا تتمثل في الأصول غير الملموسة، مثل الأفكار التسويقية المبتكرة، أو المهارات الفنية.
وأثبتت الدراسات المتخصصة أن الحكومات قادرة على إيجاد مناخ جيد لرأس المال الجريء، من خلال تحسين بيئة الاقتصاد الكلي، والمخاطر وريادة الأعمال، وتحسين المعلومات والبنية التحتية، وتوفير وتعزيز أموال لرأس المال الجريء.
ومن واقع التجربة العملية في كثير من دول العالم، يعد رأس المال الجريء المحرك الأساس لتنويع الاقتصادات الوطنية وتطويرها، وذلك عبر اكتشاف أسواق جديدة وإنشاء شركات متنوعة تجتذب التكنولوجيا الحديثة، والأيدي العاملة، فضلا عن دوره في تحسين الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والعلمية. كما يعد الاستثمار الجريء أحد أشكال الاستثمار أو التمويل المالي أو المعنوي، ويحتوي على تطبيق فكرة أو مفاهيم أو منتجات جديدة للتسويق، وتحقق العوائد الاقتصادية الناتجة عنه قفزات ربحية. كما يشجع ذلك الاستثمار على الابتكار والتميز، ويحقق أرباحا عالية، ولذلك يتوجه الاقتصاد العالمي إلى بوابة الاستثمار الجريء بشكل أوسع من الماضي.
وتتبعت الدراسات تلك الفوائد التي أسهم بها الاستثمار في رأس المال الجريء في الاقتصاد الأمريكي، حيث استثمر 209 ملايين دولار لإنشاء 72 شركة في المعدات المتعلقة بالحاسوب، والألياف الضوئية، والضوابط الصناعية، والليزر، والروبوتات، وذلك في الثمانينيات من القرن الماضي، وحققت هذه الاستثمارات قفزات غير اعتيادية في هذه المجالات مع بلوغ متوسط النمو في المبيعات السنوية 33 في المائة سنويا وأنتجت هذه الشركات ما يقدر بـ130 ألف وظيفة، وأكثر من 100 مليون دولار من عائدات ضرائب الشركات، و350 مليون دولار من عائدات ضرائب الموظفين، و900 مليون دولار في الصادرات المبيعة.
واستنادا إلى هذه النجاحات أصبح الاستثمار في رأس المال الجريء جزءا من النشاط الاستثماري الأمريكي السنوي، حيث بلغ حجمه 2016 نحو 66.6 مليار دولار، شكل 86 في المائة من إجمالي استثمارات رأس المال الاستثماري حسب تقرير نشرته OECD، في حينه، بينما بلغت استثمارات رأس المال الاستثماري في أوروبا 4.7 مليار دولار.
ووفقا لتقارير اقتصادية متخصصة ببيانات الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة، فقد حققت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2021 أعلى مستوى شهدته المنطقة على الإطلاق بتسجيل 2.6 مليار دولار في مجال تمويل رأس المال الجريء في 590 صفقة.
وأكدت دراسات علمية حديثة تأثير الاستثمار في رأس المال الجريء على التنافسية، وفي تسريع النمو الاقتصادي، وكذلك تسريع الابتكار، لكن يجب أن يمضي ذلك ضمن إطار واضح ومنهجية مدروسة. ولتحقيق مستهدفات التنويع الاقتصادي فقد سعت برامج رؤية المملكة 2030 لتمكين المستثمرين من الوصول إلى الفرص الاستثمارية، وتقديم التسهيلات والمرونة لهم، وغيرها من الخدمات، وتقدم مركز المملكة في مؤشر "سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي بـ29 مركزا، وإنجاز أكثر من 555 إصلاحا في خدمات المستثمرين، من أبرزها تقليص مدة البدء بالنشاط التجاري إلى 30 دقيقة بعد أن كانت تصل إلى 15 يوما.
كما ازدادت أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنهاية 2020 لتصل إلى أكثر من 626 ألف منشأة، كما تم تطوير الفرص الاستثمارية وتحفيز الاستثمار المحلي من خلال برامج مختلفة، من بينها توفير المعلومات المتنوعة، ومشاركة هذه المعلومات على قواعد البيانات، والمساعدة في دراسات الجدوى، تسهيل ممارسة الأعمال، ومعالجة المشكلات التشغيلية، وفي الجانب التشريعي تم بناء نظام الإفلاس لرفع مستوى الحماية في ممارسة الأعمال التجارية.
كما أطلقت المملكة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، حيث طورت 47 مبادرة لمكافحة التستر التجاري، وفرضت توفير حلول للدفع الإلكتروني لجميع أنشطة قطاع التجزئة، وأسست منصة الامتياز التجاري الإلكترونية، التي تسهم في دعم وتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وازدهار الصناعة، واستدامتها، من خلال إيجاد آفاق جديدة للمستثمرين، ورواد الأعمال، لتطوير وتوسيع أعمالهم.
ولعل تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء في 2018 يعد أهم برنامج في تطويــر منظومــة الاســتثمار الجــريء باســتثمارات 2.8 مليار ريال، فوفقا لتقارير منصة MAGNiTT المتخصصة ببيانات الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة، فإن الاستثمار الجريء في المملكة خلال 2021 شهد تنفيذ استثمارات بقيمة قياسية 2.55 مليار ريال في شركات ناشئة، محققا نموا 270 في المائة مقارنة بـ2020، في حين نما عدد الصفقات في الشركات الناشئة بنسبة تجاوزت 54 في المائة مقارنة بـ2020 وبإجمالي 139 صفقة، لتتقدم المملكة بذلك إلى المرتبة الثانية بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث إجمالي قيمة الاستثمار الجريء، مستحوذة على 21 في المائة من إجمالي قيمة الاستثمار في المنطقة صعودا من حصة نسبتها 15 في المائة في 2020.
كما ارتفع المستثمرون في شركات سعودية ناشئة إلى مستوى قياسي جديد، 76 مستثمرا، بنمو 52 في المائة مقارنة بـ2020، فيما تصدر قطاع التقنية المالية المشهد من حيث الصفقات، واستحوذ قطاع التجارة الإلكترونية على الحصة الكبرى من قيمة الاستثمار الجريء.

إنشرها