Author

السياحة لا تحتمل أكثر

|

يبقى قطاع السياحة متصدرا القطاعات الأسرع تأثرا بالأزمات الاقتصادية بشكل عام، عقب تكبده خسائر تريليونية فادحة لم يشهدها على مر التاريخ، ويتأثر بقوة عندما يدخل العالم في حالة توقف نشاطه، أو تقييد حركته، كما حدث في أعقاب تفشي جائحة كورونا، وما تبعها من متحورات لا تزال موجودة على الساحة إلى اليوم.
في 2020 أو عام الجائحة كان قطاع السياحة، والطيران، والنقل أول المصابين، وصنف بأنه أحد أكثر القطاعات تضررا من الأزمة الصحية، بحيث خرجت من السوق على الفور شركات عالمية معروفة، بينما أسرعت الحكومات لإنقاذ ما تعده ضرورة حتمية ليس فقط لهذه المؤسسات، بل لسمعة البلاد نفسها. كان هذا القطاع ولا يزال الأكثر هشاشة. لماذا؟ لأنه عندما لا تكون هناك حركة، لا معنى لاستمرار حراك السياحة، والسفر، والنقل، والترفيه، والضيافة، فضلا عما يمكن أن يسهم هذا الحراك في رفع عدد الإصابات.
ويعد وضع قطاع السياحة بعد الجائحة مصدر قلق عميقا لاقتصادات البلدان النامية، التي تسعى إلى رسم مسار نحو تحقيق التعافي. ويلعب القطاعان العام والخاص دورا كبيرا في أنشطة السياحة التي لا تعد مصدرا حيويا للعملة الأجنبية فحسب، بل لديها أيضا القدرة على أن تكون بمنزلة أداة تنموية لتدعيم سلاسل الإمداد، وتحسين إنتاجية الشركات المحلية، وإيجاد فرص عمل متنوعة.
ولا يزال هناك بعض شركات الطيران والسياحة والضيافة والترفيه تتلقى المعونات الحكومية في عدد كبير من الدول، فعودة الحراك الاقتصادي والاجتماعي، في العام الماضي، شابها كثير من الشكوك حول صموده أو تماسكه، أمام متحورات ظهرت على الساحة، وكان آخرها أوميكرون الذي لا يزال يهدد النشاط العام.
ولأن الأمر كذلك، فإن تقديرات منظمة السياحة العالمية حول أعداد السياح الدوليين، بأنها لن تعود إلى المستويات السابقة قبل 2024، تبدو منطقية. لماذا؟ لأن حالة عدم اليقين لا تزال ماثلة على الساحة الدولية، على الرغم من الإشارات الإيجابية الآتية من هنا وهناك، الدالة على عودة الحراك العام لطبيعته شيئا فشيئا. ففي أوروبا مثلا تستعد الحكومات لرفع القيود بنهاية الشهر الجاري، وكذلك الأمر على ساحات محورية أخرى.
حتى الارتفاع الذي حدث في العام الماضي لحركة السياح الدوليين لم يزد على 4 في المائة، وظل أقل 72 في المائة مما كان عليه في 2019، أي أن الزيادة المتواضعة لم تصنع تحولا في هذا السياق، والأمر يحتاج إلى فترة لن تكون قصيرة لعودة الأمور إلى سابق عهدها، مع العلم أن الخسائر التي مني بها القطاع بكل روافده من جراء كورونا تعد ضخمة وموجعة.
ووفق منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بلغت الخسائر التراكمية لقطاع الطيران العالمي بين عامي 2020 و2022 أكثر من 200 مليار دولار، وهذه الخسائر لا تبدو شيئا أمام مثيلاتها في قطاع السياحة الدولي، التي وصلت إلى تريليوني دولار في 2021 وحده، استنادا إلى أرقام المنظمة.
الخوف حاليا لا يكمن في عدم عودة حركة السياح الدوليين إلى سابق عهدها قبل 2024، بل يأتي من إمكانية ظهور متحورات جديدة، تربك المشهد الاقتصادي، والاجتماعي، العالمي العام، والمراهنة لدى القائمين على قطاع عالمي هائل الحجم والقيمة والروافد البشرية والإنسانية والاجتماعية أيضا، تبقى على أن يتحقق النمو المطلوب في العام الحالي لهذا القطاع، وإن حدث بعض الاضطرابات، وإذا ما تعمقت هذه الأخيرة، فإن التقديرات التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية لن تبقى على حالها.
المهم الآن، أن يحافظ العالم على وتيرة التطعيم بأعلى مستوى وأكبر سرعة، وأن يتم نشره في مناطق لم تصلها اللقاحات حتى اليوم، فقد ثبت للعالم، أن الإغلاق الدائم أو المتقطع للنشاط الاقتصادي يصنع المشكلة الاقتصادية تلو الأخرى، ويؤخر التعافي الكامل الذي بدأ بالفعل العام الماضي، إلا أنه تعرض للتهديد من متحورين لكورونا على الأقل، مع ضرورة التأكيد على أن النمو العالمي الراهن يمضي قدما في بيئة مضطربة، ويحتاج إلى تماسك كل القطاعات من أجل استعادة الخسائر التي تسبب فيها وباء صدم العالم دون استثناء.

إنشرها