FINANCIAL TIMES

صراع المصالح .. المسؤولون الأمريكيون تحت الضغط بسبب التداول

صراع المصالح .. المسؤولون الأمريكيون تحت الضغط بسبب التداول

في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، رفضت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، الدعوات إلى سن تشريع يحظر التداول على أعضاء الكونجرس وحينها تفوهت بملاحظة لم تهتم لها لكن عادت لتطاردها فيما بعد، حيث قالت للصحافيين آنذاك، "إن اقتصادنا مبني على السوق الحرة"، مضيفة "ينبغي أن يكونوا قادرين على المشاركة في التداول".
لكن لهجة بيلوسي الساخرة انتقدت لكونها صماء ليس فقط لأنها من أغنى أعضاء الكونجرس، ولكن أيضا بسبب حقيقة أنها قالت ذلك وسط غضب متزايد داخل فقاعة واشنطن وعبر الولايات المتحدة بشأن الاستثمارات المثيرة للجدل من قبل المسؤولين الحكوميين.
ووصلت القضية إلى ذروتها الآن بعد أن طرح عدد كبير من المشرعين هذا الأسبوع تشريعات من شأنها أن تحظر أو تحجب بشدة الاستثمار النشط من قبل زملائهم.
وفي العامين الماضيين، اتهم المشرعون الأمريكيون، بمن فيهم ريتشارد بور، السناتور الجمهوري عن ولاية كارولاينا الشمالية، بالتداول غير النزيه بعد اطلاعه على معلومات سرية بشأن الجائحة. فيما يتصارع جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مع أزمة نالت من سمعته بعد استقالة ثلاثة من كبار المسؤولين بعد الكشف عن تداولات مشكوك فيها - من بينهم الرجل الثاني في البنك المركزي ريتشارد كلاريدا، الذي استقال هذا الأسبوع.
وفي تطور آخر متصل، تم انتقاد القضاة الفيدراليين لفشلهم في تنحية أنفسهم من القضايا التي تشمل الشركات التي يمتلكون فيها أو تملك عائلاتهم فيها أسهما.
فيما أدين كريس كولينز، العضو الجمهوري السابق في الكونجرس، وتم الحكم عليه بالسجن في كانون الثاني (يناير) 2020 بسبب ضلوعه في مخطط للقيام بالتداول بناء على معلومات سرية، قبل أن يعفو عنه الرئيس السابق دونالد ترمب.
ووفقا لأحدث البيانات من أوبن سيكريتس في 2018، فقد بلغ صافي ثروة بيلوسي 114.6 مليون دولار، ما يجعلها سابع أغنى عضو في الكونجرس في ذلك الوقت.
بينما يدير زوجها بول بيلوسي، شركة فاينانشيال ليسينغ سيرفيسيز، ومقرها سان فرانسيسكو حيث تختص في الاستثمار في العقارات ورأس المال الاستثماري. بينما تظهر أحدث إفصاحات الكونجرس أن بول بيلوسي قام بشراء عقود لأصول آجلة بملايين الدولارات في عدة شركات الشهر الماضي وحده، بما فيها شركة ألفابيت المالكة لجوجل، وروبلوكس، وسيلزفورس وديزني. وقد أثارت هذه الصفقات ضجة كبيرة على تطبيق تيكتوك للفيديو، ما يؤكد مدى تأثير المشكلة خارج العاصمة واشنطن.
وقد حفز هذا الغضب بشأن عدد من الشخصيات المتنفذة الذين أتيحت لهم فرص غير منصفة للربح من الاستثمارات تحركا من الحزبيين للقيام بحملة على التداول في الأوراق المالية في جميع الفروع الثلاثة للحكومة الأمريكية في محاولة لفك الارتباط بين واشنطن وول ستريت والشركات الأمريكية.
ووفقا لاستطلاع للرأي نشر هذا الشهر من قبل مؤتمر الولايات المحافظة، يعتقد 76 في المائة من الأمريكيين أن أعضاء الكونجرس وأقرانهم يتمتعون بميزة "غير منصفة" في الأسواق المالية، بينما قال 5 في المائة فقط إنه ينبغي السماح لهم بالتداول.
وقالت فيرجينيا كانتر، المسؤولة السابقة عن الممارسات الأخلاقية لدى الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون وصندوق النقد الدولي، "أعتقد أن الشعب الأمريكي يفهم لماذا يعد هذا الأمر إشكاليا. لأنه يقوض ثقتهم في الحكومة. فهو يجعل الأمر يبدو وكأنهم حصلوا على مناصبهم لخدمة مصالحهم المالية الشخصية بالفعل بدلا من خدمة المصلحة العامة". كانتر تعمل الآن مع "مواطنين من أجل المسؤولية والأخلاق"، وهي مجموعة للنصح والإرشاد في واشنطن.
لكن السياسيين انتبهوا لذلك. ففي أواخر العام الماضي، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، بما في ذلك شيرود براون، رئيس اللجنة المصرفية، قانونا يحظر على مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي تداول الأسهم الفردية، حيث بدأ الكونجرس في تضييق الخناق على البنك المركزي الأمريكي.
متوسط صافي ثروة أعضاء مجلس الشيوخ 1.6 مليون دولار.
ويسعى المشرعون أيضا إلى فرض قيود على أنشطتهم الخاصة. وفي هذا الأسبوع، قدم جون أوسوف ومارك كيلي، العضوان الديمقراطيان في مجلس الشيوخ عن جورجيا وأريزونا، على التوالي، مشروع قانون من شأنه إجبار أعضاء الكونجرس، وأزواجهم وأطفالهم المعالين على وضع استثماراتهم في صندوق ائتماني سري. فيما كانت أبيغيل سبانبيرغر، العضوة الديمقراطية في مجلس النواب عن ولاية فرجينيا، وتشيب روي، عضو مجلس النواب الجمهوري عن ولاية تكساس، يدافعان عن قوانين مشابهة منذ أشهر.
وقالت سبانبيرغر لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، "إن الأمر يتعلق بالخطوات الرئيسة التي يجب أن نتخذها للتأكيد على تلك الثقة التي يضعها الشعب فينا، وللتأكيد أن الشعب يعرف أننا نعمل نيابة عنه، لإزالة الشك تماما، وليس فقط لتجنب عدم اللياقة، ولكن... أيضا كي نتجنب المظاهر الدالة على عدم اللياقة. أعتقد أن هناك زخما لتحقيق ذلك. بالنسبة لبعض الناس، سيؤدي هذا إلى تغيير حقيقي في العقلية".
وقدم جوش هاولي، السناتور الجمهوري عن ولاية ميزوري، تشريعا خاصا به هذا الأسبوع يحظر على أعضاء الكونجرس امتلاك أو تداول الأسهم الفردية، قائلا إن "الوقت قد حان للتوقف عن غض الطرف عن الاستغلال الذي تمارسه واشنطن".
واكتشف كيفن مكارثي، نظير بيلوسي الجمهوري الذي قد يصبح رئيس مجلس النواب القادم إذا استعاد حزبه السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام، فرصة سياسية. وبحسب ما ورد فقد أخبر حلفاءه أنه يخطط لتقييد أو منع المشرعين من تداول الأسهم إذا تولى حزبه زمام الأمور.
لكن بعض الخبراء يحذرون من أن شن حملة قمع قد يكون لها عواقب غير معروفة وخطيرة تجعل الانخراط في الخدمة العامة أقل جاذبية لأولئك الذين كانوا يجلسون على محافظ أوراق مالية كبيرة قبل توليهم مناصب في الحكومة.
وقال جاي كلايتون، الرئيس السابق للجنة الأوراق المالية والبورصات وهو مستشار في شركة محاماة سوليفان آند كرومويل إل إل بي، "في نهاية المطاف، يعد الوصول إلى المعلومات في مبنى الكونجرس أمرا مهما للغاية، فهو يعادل في أهميته إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تحصل عليها في مجالس إدارة الشركات العامة".
لكنه حذر من أن المشرعين ينبغي ألا يتصفوا "بالبلادة". حيث قال، "إذا أردت أن يستثمر الناس جهودهم، ويمشوا جنبا إلى جنب مع الاقتصاد الأمريكي - فأنت تحتاج إلى الاعتماد على خبرة القطاع الخاص في الحكومة".
فيما يقول آخرون إن سلوك عديد من المسؤولين العامين قد أصبح فظيعا للغاية بحيث لا يمكن تجاهله، بما في ذلك ما تم الكشف عنه في العام الماضي من أن عددا كبيرا من المشرعين انتهكوا التزامات الإفصاح عن معاملاتهم المالية المطلوبة في قانون عام 2012 الذي سنه أوباما.
وقال ريتشارد بينتر، المحامي السابق للممارسات الأخلاقية في البيت الأبيض في إدارة جورج دبليو بوش، "كيف تتوقع من عضو في الكونجرس أن يتخذ قرارا بشأن الرعاية الصحية وتنظيم صناعة الرعاية الصحية أو فرض ضرائب على الأجهزة الطبية، في حين أن محافظهم مثقلة بأسهم شركات الرعاية الصحية؟ إن هذا تضارب متأصل في المصالح". وأضاف، "هذه مشكلة كبيرة فيما يتعلق بمصداقية الكونجرس".
وفي الوقت نفسه، فإن الضغط السياسي من أجل سن قوانين أكثر صرامة بشأن التداول هو مدفوع في الغالب من قبل جيل المشرعين الشباب الذين يتوقون إلى مواجهة الحرس القديم في الكابيتول هيل، حيث في الأغلب ما تقترن الثروة بالسلطة.
ووفقا لبيانات تم جمعها من قبل أوبن سيكريتس في 2018، كان متوسط صافي ثروة أعضاء مجلس الشيوخ يزيد قليلا على 1.6 مليون دولار، بينما كان متوسط ثروة مجلس النواب أقل بقليل من 500 ألف دولار.
وقال كريغ هولمان من منظمة بابليك سيتيزن، وهي مجموعة تدافع عن حقوق المستهلك، "إن أعضاء كلا الحزبين يدركون تماما أنه من الغباء سياسيا اللعب في سوق الأسهم في حين يمكنهم الوصول إلى معلومات سرية". وقال أيضا، "حتى لو لم يقوموا بالتداول بناء على المعلومات السرية، إلا أن الأمر يبدو كذلك."
فيما رفض مسؤول في البيت الأبيض الموافقة على أي تشريع محدد، لكنه قال إن بايدن يعتقد أن "على جميع الوكالات الحكومية والمسؤولين، إضافة إلى الوكالات المستقلة، أن يلتزموا بأعلى المعايير الأخلاقية، ومن ضمنها تجنب كل ما يشي بتضارب المصالح".
يتردد صدى هذه القضية في الحملة الانتخابية لـ2022، فقد أيد جون فيترمان، المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا، حظر التداول على أعضاء الكونجرس هذا الأسبوع، كما أيد ذلك مرشحون ديمقراطيون وجمهوريون في الانتخابات التمهيدية في عدة ولايات أخرى.
وقال جو كالفيلو، مدير الاتصالات لحملة المرشح فيترمان، "لا أعتقد أن هناك أي ناخبين سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين في ولاية بنسلفانيا يقولون، أريد من عضو الكونجرس الذي أنتخبه أن يكون قادرا على شراء وتداول الأسهم". وقال، "من العجيب أن يبدو أن أعضاء الكونجرس يستخدمون معرفتهم بالمعلومات السرية من أجل تحقيق المكاسب المالية بينما نحن في خضم الجائحة التي تركت الطبقة العاملة تكافح من أجل البقاء".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES