Author

التقنيات الرقمية .. المصارف تتغير

|

يكثر الحديث عن دور المصارف في اقتصاد ما بعد كورونا، لكن الحقيقة الثابتة أن الدور الأساسي لها وهو التمويل، لم يزل دونما تغيير، فهي تلعب دور الوسيط بين من يمتلكون النقد ومن يريدون استخدامه، وساطة تؤمن لمستخدمي الأموال تدفقات نقدية آمنة بتكلفة معقولة، وللبنوك عمولات مستدامة، والعوائد لأصحاب المال.
وهكذا كانت الأمور تسير وستمضي، ولهذا فإن التساؤلات عن دور البنوك في اقتصاد ما بعد كورونا يأتي لعدة أسباب أولها، التغيرات الهيكلية التي أصابت الاقتصاد العالمي مع دخول التقنية في كل مجال تقريبا، والثاني في دخول النقود الرقمية والعملات المشفرة، والثالث في التهديدات السيبرانية، فالسؤال الذي يطرح هنا عن النماذج القادرة على البقاء في المستقبل، وهو سؤال له ما يبرره ولا شك، فالنمو الهائل في الرقمنة والتقنيات في الحياة اليومية للمستهلكين غيرت آليات تلبية الطلب الكلي بشكل لا عودة فيه للنماذج السابقة وأحدثت ثورة في كيفية توفير الأموال ونقلها وتخزينها وامتلاكها، وهذه النقطة الأساس لمناقشة أي تحولات متوقعة في صناعة البنوك، وهذا ما يؤكده أستاذ النقود والبنوك في مدرسة لندن للتجارة، من أن النقطة الفاصلة في تطور النظام المصرفي على المستوى العالمي هذا العام ترتبط برقمنة النظام المصرفي، فالشكل التقليدي لمن يحمل مبلغا من المال في حقيبة خاصة، ويدخل بها البنك أو يخرج منه لم يعد قائما، ومثل ذلك الذي يحمل شيكات سياحية في بلد أجنبي أو شيكات مصرفية يوقعها ليدفع ما عليه، كل تلك الصور لم تعد قابلة للبقاء مع عالم التقنية الشمولي.
وهذا ما يؤكده أيضا عدد من الخبراء، وفق دراسة استطلاعية لـ "الاقتصادية"، حيث يرون رحيل النظام المصرفي بعيدا عن الأدوات والنظم المالية التقليدية، نتيجة الرقمنة التي تدعم الانتقال بعيدا عن بطاقات الائتمان العادية نحو الائتمان الرقمي. ومن المدهش تتبع فكرة أن الاقتصاد الرقمي ينمو بقدر ما يستخدم البشر الهاتف المحمول، ما يسهم في توليد القيمة، التي يمكن استخدامها في أنشطة إنتاجية مثل تمويل الشركات، والمعنى أن توليد النقد أصبح يأتي بشكل ما من خلال استخدام الناس للهاتف المحمول والتطبيقات ذات الصلة، وهو ما سمح للناس ويمكن أن يتيح لعديد من الجهات تقديم الخدمات المالية عبر الابتكارات التكنولوجية، بما في ذلك الائتمان والتأمين والادخار بل حتى في خدمات تحويل الأموال والتأمين، وهي وظائف كانت خلال فترات سابقة محتكرة من قبل البنوك.
فتجربة هيئة البريد الهندية في التوسع من خلال التمويل الرقمي وتقديم مجموعة متنوعة من الخدمات المالية بما في ذلك الأعمال المصرفية والتأمين والتحويلات حتى في أكثر المناطق النائية من البلاد، يقدم نموذجا لحجم التحديات، التي تواجه البنوك في ممارسة أنشطتها المعتادة.
وتتعدد مزايا الدفع الرقمي، سواء بالنسبة لأحد صغار بائعي الفاكهة أو لمدير مصنع كبير الحجم، وتقدم التجارة الإلكترونية تحديا لا يقل أهمية من خلال الدفع الرقمي عبر التطبيقات وإيداع الأجور إلكترونيا في حسابات الموظفين، ما يسهم بشكل واضح في زيادة قدرة هذه المؤسسات في الحصول على الائتمان، وتكوين تاريخ ائتماني يؤهلهم للاقتراض كي يبدأوا النشاط أو ينموه. ففي الولايات المتحدة، ساعد دمج سجل دفع رسوم المرافق والهواتف بدرجة كبيرة على تسهيل الحصول على الائتمان، ولا سيما للفئات الضعيفة كالنساء والفقراء.
لكن يرى الخبراء أيضا أنه لا بد من التوفيق بين سهولة الحصول على الائتمان والخوف من الديون السيئة، وهناك أسباب تدعو لهذا القلق، حيث ترى خبيرة مصرفية أن كثيرا من البنوك الصغيرة والمتوسطة، خاصة في الاقتصادات الناشئة والنامية لا تزال عاجزة حتى الآن عن مواكبة تلك التغييرات، ما يمنع النظام المصرفي العالمي عموما من تحقيق إمكاناته الكاملة، خاصة في مجال الاستثمار والإقراض، وهذا أمر له ما يبرره فعليا، فلا تزال المصرفية العالمية تئن من آثار الأزمة المالية 2008، ولا أحد يرغب في إعادة التجربة. لكن هناك تحديات القطاع المصرفي تتجاوز ذلك فالقلق من الديون السيئة ليس أكبر من القلق الذي يتعلق بقضايا الحوكمة. فبينما أصبحت المصرفية رقمية بدرجة عالية، لكن مجالس الإدارات ليست على دراية بالتكنولوجيا أو كيفية التعامل مع البيانات مقارنة بعديد من منافسيها في مجال التكنولوجيا المالية، وبعض التقارير تشير إلى أن 10 في المائة فقط من أعضاء إدارة أكبر مائة بنك في العالم و10 في المائة من الرؤساء التنفيذيين لديهم خبرة تقنية احترافية، فتأثر أنماط الحوكمة الحالية في البنوك سيؤثر حتما في تعاطيها وسرعة اتخاذها للقرارات ذات الطابع التقني، فالبنوك- كما يعتقد خبراء أن البنوك ليست جاهزة بعد أو قادرة على تعظيم الاستفادة من جميع البيانات، التي تحتفظ بها لمصلحتها، وفي هذا المجال يتفوق اللاعبون الصغار وشركات التكنولوجيا المالية، وستحتاج البنوك أولا للاعتماد على نهج التكنولوجيا لعلوم البيانات، وتأسيس شراكات مع مزودي الخدمات الخارجيين، وبما سيسهم في رفع معدلات الأرباح المصرفية في 2022.

إنشرها