FINANCIAL TIMES

لا تنزعج عندما يشتكي المحامون من إرهاق العمل

لا تنزعج عندما يشتكي المحامون من إرهاق العمل

عندما كان روان سوباسنح محاميا متدربا في إحدى الشركات الكبيرة في لندن، كان مرهقا من كثرة العمل لدرجة أنه في إحدى المرات لم يغادر المكتب لمدة ثلاثة أيام متتالية. وعندما كان ينام هو وزملاؤه تحت مكاتبهم، طلب منهم وضع هواتفهم على صدورهم حتى توقظهم اهتزازات رنين الهاتف في حال اتصل بهم أي شخص.
هل ستعزف لي مقطوعة موسيقية حزينة؟ مثل كثير من الناس غيري، لقد كانت ردة فعلي بالغريزة هي أن أشعر قليلا بالانزعاج بسبب الشكاوى التي ظهرت في الأعوام الأخيرة من قبل المحامين المتعبين وصغار المصرفيين البائسين. فأنا أقضي معظم حياتي المهنية في الاستماع إلى سائقي الشاحنات الثقيلة المرهقين، وعمال التوصيل لدى شركة دليفرو، وموظفي الرعاية الصحية، وعمال المصانع، وعمال تنظيف المكاتب، الأمر الذي جعلني غير متعاطفة إلى حد ما مع الذين يتقاضون رواتب عالية والذين يمكنهم القيام بعمل آخر إذا ما أرادوا ذلك.
لكن في هذه الحالة التعاطف ليس موضوعنا حقا. مشكلة المحامين، والمصرفيين، والاستشاريين المرهقين تسلط الضوء على المشكلات الموجودة في توزيع الأجور التي لها عواقب وخيمة. يمكن أن يساعد الاستماع إلى مخاوف الأشخاص في أعلى السلم الوظيفي على إثراء النقاش حول كيفية تحسين الوظائف في أسفله أيضا.
في معظم الوقت خلال القرنين الماضيين، كان العمل ساعات طويلة أكثر شيوعا بين الفقراء منه بين الأغنياء. لكن ليس الآن. في المملكة المتحدة، مثلا، يعمل عشر الرجال الذين يحصلون على أعلى أجر في الساعة الآن سبع ساعات في الأسبوع في المتوسط أكثر من عشر الرجال الذين يعملون بأجر أقل في الساعة، وفقا لمؤسسة ريزوليوشن الفكرية. أما بالنسبة للنساء، فالفجوة هي عشر ساعات.
هناك أسباب وجيهة تدعو للعمل لساعات طويلة في قطاعات مثل المحاماة، حيث من المتوقع عموما أن يتقاضى الموظفون في الشركات الكبرى أجورهم عن عمل يراوح ما بين 1900 و2200 ساعة في العام، وفقا لاستطلاعات "فاينانشيال تايمز بيج ريد" حول هذا الموضوع.
يتوقع العملاء حصولهم على الخدمة على مدار الساعة، فمن الممكن أن تظهر أي مشكلة فجأة، كما أن تفاصيل المهمة في العمل لا تترك المجال دائما لتداول المسؤوليات بين الزملاء في نظام المناوبة. هناك أيضا عملية حسابية بسيطة: إذا دفعت للزميل المزاول راتبا سنويا، لكنك تتقاضى أجر وقتهم من العملاء في مجموعات مدتها ست دقائق، فمن المنطقي أن تخصم أكبر عدد ممكن من ساعات عمل الزميل المزاول. نعم، يتساقط كثير من الناس في هذا الدرب، لكن شركة المحاماة هي على أي حال كالهرم الذي لا توجد على قمته سوى مناصب قليلة.
يختار كثيرون هذا النظام مقابل حصولهم على رواتب عالية وإمكانية الدخول في شراكة مع الشركات. لكن المشكلة هي أنها تجعلهم معتلين. في دراسة استقصائية شملت 1700 مهني قانوني في المملكة المتحدة وأيرلندا، أجرتها العام الماضي مؤسسسة لو كير Law Care الخيرية للصحة العقلية، قال 69 في المائة إنهم عانوا اعتلالا في صحتهم العقلية في العام السابق، بينما كان أكثر من ثلثهم ينام ست ساعات أو أقل في الليلة.
ليست الصحة العقلية وحدها التي تتأثر جراء الإفراط في العمل. في العام الماضي، خلصت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية إلى أن العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر في الأسبوع مرتبط بنسبة تقديرية بـ 35 في المائة من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية و17 في المائة من خطر الوفاة بسبب أمراض القلب، مقارنة بالعمل لمدة 35 - 40 ساعة في الأسبوع. جسمك ينهار عندما تعمل كثيرا، بغض النظر عما إذا كنت تتقاضى عشرة جنيهات استرلينية أو مائتي جنيه في الساعة.
بحسب سوباسنج الذي ترك شركة المحاماة ويشغل الآن منصب المدير القانوني في الاتحاد الدولي لعمال النقل، ليس من المنطقي تجاهل نداءات المحامين المرهقين لمجرد أنهم يتقاضون أجورا أعلى مما يتقاضاه سائقو الشاحنات. قال لي أيضا: "بالنسبة لي، لا ينبغي استثناء المهن ذات الأجور المرتفعة من هذا النوع من المناقشات. يجب أن نتوقع أن يلتزم أي مكان عمل، بغض النظر عن الأجر، بالقوانين الوطنية والمعايير الوطنية السائدة. بالنسبة لي الشاغل الأكبر هو السلامة والصحة المهنية".
الآن الإرهاق في مهنة المحاماة يتسبب في حدوث مشكلات في التوظيف رغم ارتفاع الرواتب بشكل أكبر. هذا تذكير للقطاعات الأخرى التي تواجه نقصا في اليد العاملة بأن الأجور المرتفعة لا يمكنها حل كل المشكلات. النقص في سائقي الشاحنات الثقيلة، مثلا، أدى إلى أن يستنتج كثيرون أن على أصحاب العمل ببساطة دفع مزيد لهم. كان ضعف الأجور جزءا من المشكلة، لكن السائقون لا يريدون فقط مزيدا من المال، بل يريدون قدرا أقل من الإرهاق وفرصا أكبر كي يعيشوا حياتهم الأسرية.
سيكون من الصعب والمكلف إصلاح ثقافة الساعات الطويلة الراسخة في قطاعات مثل القانون، لكن ستكون هناك أيضا مكاسب تترتب عليها، ليس فقط من أجل صحة الناس. ستكون الشركات قادرة على توظيف مزيد من الموهوبين خاصة النساء اللاتي لا يستطعن أو لا يردن العمل 70 ساعة في الأسبوع. وقد يستفيد العملاء أيضا، لأن من الصعب تصديق أن جودة العمل في بيئة المكاتب لا تتأثر عندما يكون الناس متعبين للغاية.
لقد حان الوقت الآن للتوقف عن الانزعاج عندما يعترض المحامون والمصرفيون المرهقون على ظروف عملهم ويدعون المسؤولين في هاتين الصناعتين إلى إحداث تغيير. قد لا يحتاجون إلى التعاطف، لكنهم يستحقون أن نقدم لهم الدعم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES