FINANCIAL TIMES

استخدام السياسة التجارية لغايات استراتيجية أصعب مما يعتقد ماكرون

استخدام السياسة التجارية لغايات استراتيجية أصعب مما يعتقد ماكرون

قبل عامين تبنى الاتحاد الأوروبي - بتوجيه من المفوضية الجيوسياسية كما تدعوها أورسولا فون دير لاين – الهدف الطموح الغامض المتمثل في تطوير "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي على المستوى العالمي.
على الرغم من استحضاره يوميا تقريبا في بروكسل، إلا أن هذا المفهوم ظل تطلعيا، بل حتى مجردا. في غضون ذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي مخاطر حقيقية ومحددة، حيث تمنع الصين صادرات ليتوانيا وتهدد روسيا بغزو أوكرانيا. سيكون هذا هو الوقت المناسب لتحويل نفوذ الاتحاد الأوروبي غير المشكوك فيه في السياسة التجارية إلى غايات استراتيجية لمقاومة الضغط من الحكومات المعادية.
انضموا، على صوت الأبواق ورعود حوافر الخيول، إلى هجوم سلاح الفرسان بقيادة إيمانويل ماكرون. فالرئيس الفرنسي يقود مجلس الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة المقبلة - على افتراض إعادة انتخابه في نيسان (أبريل) - وسيهدف إلى التغلب على الانقسامات في الاتحاد الأوروبي ونقاط الضعف في فرنسا لبناء القوة الجيوسياسية الأوروبية.
من الناحية النظرية، هذا هو ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي بالضبط - وهي قيادة إحدى الدول الأعضاء الكبيرة التي تتمتع بقدرات عسكرية، واستخباراية، ودبلوماسية معروفة. أما بالنسبة إلى رئاسة المجلس، فقد تبنى ماكرون صرخة حماسية "التعافي، والسلطة، والانتماء" وفيها ما هو أكثر من نفحة للحماسة الثورية. كما أن لديه دافعا شخصيا لبناء قوة استراتيجية أوروبية مستقلة عن حلفائها التقليديين، بعد الإذلال الذي تعرض له في أيلول (سبتمبر) الماضي في كمين تسببت فيه الاتفاقية الأمنية الأسترالية - البريطانية - الأمريكية Aukus بشأن الغواصات النووية.
في توقيت ممتاز، يعمل الاتحاد الأوروبي على إيجاد سلاح تجاري جديد، عبارة عن أداة قانونية "لمكافحة الإكراه" تريد فرنسا تسريع مسارها. ستسمح الأداة بالرد السريع من خلال الإجراءات التجارية، والاستثمارية، والمالية ضد الضغوط غير المشروعة من قبل الحكومات الأجنبية. وفي المستقبل، سيكون من المأمول أن يردع ذلك دولا كالصين عن التنمر على دول الاتحاد الأوروبي، مثل ليتوانيا.
لكن نقاط الضعف المتعددة تعرقل قدرة فرنسا على قيادة إعادة توجيه السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي نحو أهداف استراتيجية.
نقطة الضعف الأولى هي انقسام السياسة الخارجية داخل الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، وروسيا، والولايات المتحدة. في الأغلب ما يقع ماكرون في خلاف مع بعض الدول الأعضاء في النصف الشرقي من أوروبا، ولا سيما حول موقفه اللين السابق تجاه الرئيس فلاديمير بوتين. بالنظر إلى موقف روسيا تجاه أوكرانيا، وإرسال المرتزقة المرتبطين بموسكو إلى مالي على الرغم من الاعتراضات الفرنسية، حيث تعمل فرنسا على إنهاء عمل قوة لحفظ السلام، يبدو أن ذلك رهان سيئ.
وعلى نحو مشابه، فإن ماكرون على الرغم من انتقاده للسياسة التجارية الصينية، استسلم في 2020 بشكل غير حكيم لمحاولات ألمانيا إقناعه بدعم اتفاقية الاستثمار الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والصين. تسببت الصفقة، التي تم تعليقها الآن، في إثارة الفزع في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وداخل إدارة جو بايدن ـ التي كانت في طريقها لتولي السلطة في الولايات المتحدة ـ لأنها جعلت أوروبا تبدو ضعيفة.
في الواقع، يشير موقف ماكرون المتشكك تجاه الولايات المتحدة إلى أنه متحمس بشكل مفرط للمصالح الفرنسية، خصوصا فيما يتعلق بصفقة Aukus. وبالنظر إلى تذبذب السياسة الخارجية لبايدن ووجود فرصة رئاسة أخرى لدونالد ترمب، فإن ماكرون محق بشأن مخاطر الانعكاسات من التحالفات الأطلسية. لكن دولا أوروبية أخرى مثل دول البلطيق ليست واثقة من أن الاتحاد الأوروبي، بما يملكه من أدوات لفرض عقوبات تجارية ومالية محدودة، يمكنه تولي زمام الأمور. الولايات المتحدة هي المحاور الرئيس أمام روسيا في محادثات هذا الأسبوع في جنيف حول الأمن الأوروبي ـ مؤسسات الاتحاد الأوروبي غير مدعوة.
ثانيا، في الأغلب ما تكون فرنسا ضعيفة سياسيا على الصعيد المحلي بحيث لا يمكنها استخدام التجارة سلاحا استراتيجيا فاعل. فقد كانت الطريقة الطفولية إلى حد ما، لمعاقبة أستراليا بشأن صفقة Aukus تتمثل في إكمال اتفاقية للتجارة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا، في حين تم منع اتفاقية أسترالية موازية. لكن كلا البلدين من مصدري لحوم البقر، والانتخابات الرئاسية في فرنسا مقبلة، ومن المعروف أن مزارعي الماشية في البلاد هم من مثيري الصخب. لقد اختارت باريس تأجيل كلتا الصفقتين بحيث تصبحا مشكلة لشخص آخر.
وهناك قلق بين الدول الأخرى الأعضاء من أن أداة مكافحة الإكراه التي تدعمها فرنسا بقوة سينتهي بها الأمر لاستخدامها في أغراض حمائية وليس لأغراض استراتيجية.
عبر التاريخ، كانت هجمات سلاح الفرسان الفرنسي رائعة لمن يشاهدها، لكن في سياق الاتحاد الأوروبي كانت تستخدم كشعارات كلامية في كثير من الأحيان. الحجة لإيجاد قوة استراتيجية مركزية في الاتحاد الأوروبي تعد حجة قوية. لكن قدرة ماكرون على الإنجاز تتطلب وحدة أوروبية ومرونة محلية فرنسية أكثر مما نشهده الآن.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES