Author

متى تكون الثقة بالنفس مثمرة؟

|
يخلط البعض في توظيف ما قد يوجد لديهم من خصائص، كالثقة بالنفس، ما يوقعهم تبعا لذلك في أخطاء سلوكية يترتب عليها مشكلات مع الآخرين، أو على أقل تقدير سقوطهم من أعين الناس، نظرا إلى طريقة تعاملهم السيئة مع الطرف الآخر. هذا التعامل لم يأت من فراغ، إنما من خطأ في المفهوم الذي يحمله الفرد حول نفسه، ونحو الآخرين، الذين يتعامل معهم في بيئة العمل، أو خارجها من أصدقاء، أو زملاء، أو مراجعين ومتعاملين مع الإدارة أو المؤسسة التي يعمل فيها من يحمل المفهوم الخاطئ للثقة.
الثقة بالنفس إحدى خصائص الشخصية الجيدة متى ما تم توظيفها بحكمة، أما لو حدث العكس وأصيب الفرد بالغرور، وتصرف باندفاع وتهور، فهي تقود صاحبها إلى سوء التصرف، والتعامل بغلظة وفظاظة، حيث يكون لديه نظرة خاطئة، ويظن أن حديثه مع الآخرين تنازلا منه يجرئهم عليه، وبناء على ذلك يتمادون فيما يعتقد بأنه كسر للحواجز، وتماد لا يمكن القبول به، فلو كان هذا الفرد مديرا لشركة، أو رئيس قسم في دائرة يجعل من العاملين معه في المكتب من إداريين، وسكرتارية حواجز تمنع الوصول إليه، ولذا يعطي توصيات مشددة لمدير مكتبه أن يطرح أسئلة تصل إلى ما يشبه التحقيق مع من يرغب في مقابلته، مثل من أنت؟ ماذا تريد؟ كم تستغرق من الوقت؟ هل لديك خطاب أو أوراق أسلمها له؟.
الثقة بالنفس الحقيقية وليست المصطنعة، صفة تظهر على صاحبها بشكل طبيعي، وفي معظم الظروف إن لم يكن كلها، ومع مختلف الناس بخلفياتهم كافة، ومستوياتهم، فعلى سبيل المثال، الطفل الذي يتحدث أمام زملائه ويشرح لهم يمارس الثقة بالنفس، كما أن حديثه أمام أساتذته يمثل مستوى عاليا من الثقة بالنفس، ووجوده في مجلس والده والمشاركة فيما يدور من حديث، مثال آخر على الثقة بالنفس.
من تقل ثقتهم بأنفسهم يعانون في حياتهم العامة والخاصة، إذ يتسمون بالتردد والخجل وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، حتى في أبسط الأمور التي يلزمهم القيام بها، ما يعوقهم وتتعثر بعض أمورهم الحياتية، كما تظهر الآثار في تجنبهم اللقاءات العامة والحفلات والمجالس، ومن أبرز الآثار تعثر الكلمات في أفواههم، واحمرار الوجه، وعدم وضوح الفكرة المراد التعبير عنها، والبعض من شاكلة هؤلاء لو قدر وصار مسؤولا بالصدفة، لا يسمح بمقابلة أكثر من واحد، لافتقاده القدرة على المحاججة المنطقية، وقد يصل الأمر به إلى اتباع سياسة التمليل، كأن يقال للمراجع المسؤول جدوله مزدحم، أو لديه اجتماع مطول. كل ذلك بهدف "تصريف" أصحاب المصالح.
البعض يعتقد الثقة بنفسه، إلا أنه متى ما وضع على المحك نجده لا يصمد في الموقف، وتتلاشى ثقته المزعومة، وهذا ما يمكن تسميته الثقة الكاذبة، التي يسلي بها الفرد نفسه، ما يوقع صاحبها في مآزق يترتب عليها كثير من المشكلات، ويمكن وصف هذه الحالة بشيء من تضخم الأنا.
الثقة بالنفس قد تمثل حالة تمركز حول الذات تصل بصاحبها إلى حد الغرور، كما عبر المتنبي عن نفسه في كثير من أشعاره:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعــــــت كلماتي من به صمــم
وقوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلـــم
كما عبر عنترة بن شداد عن شجاعته وإعجاب الناس به، ما يمثل ثقة بنفسه، وذلك في قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطـــان بئر في لبان الأدهــــــــم
والبعض من الناس الثقة بالنفس لديهم تتسم بالأنا الجماعية، وليست الفردية الضيقة، وذلك كما ورد في معلقة عمرو بن كلثوم في قوله:
إذا بلغ الفطام لنــــا صبـــي
تخر له الجبابــــر ساجديــــــــــــنا
وهو بهذا البيت يصف قومه وما هم عليه من الشجاعة واحترام الآخرين لهم، ليس لكبار القوم فقط، بل للصغار منهم، وينحو أبو فراس الحمداني منحى الأنا الجمعية، بقوله:
ونحن أناس لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين أو القــــــبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا
وأكرم من فـــوق التراب ولا فخــــر
إنشرها