قبل رفع سعر الفائدة
الضغوط التضخمية التي نشهدها تعزى لعوامل مرتبطة بكوفيد - 19 وعلينا فهم الدوافع الحقيقية التي شكلت لنا تضخما بأنماط جديدة كنقص اليد العاملة وما تبعها من اضطرابات في سلسلة الإمداد العالمية أدت إلى ارتفاع في تكاليف الشحن وارتباك في أوقات تسليم الشحنات، ما دفع الشركات إلى تنبي سياسات تعتمد على إدارة الكميات والتخزين مقابل استمرار العمل بالحد الأدنى، فمثلا قلصت شركات السيارات عدد خطوط إنتاجها وبعض القطاعات خفضت الكميات وأصبح موضوع الإمداد على رأس مواضيع رؤساء الشركات، وبالتالي نشأت لدينا صعوبات في العرض دون أن يتوقف الطلب، ما دفع بالأسعار إلى الأعلى، أي: مزيد من التضخم وفي الوقت نفسه هناك تقلبات مقلقة مصاحبة في الغذاء والطاقة.
في ظل كل تلك التحديات تعمل البنوك المركزية على زيادة المعروض النقدي من أجل تحفيز الاقتصاد لمواصلة العمل والإنتاج من خلال خفض سعر الفائدة كما أن صناع السياسات المالية قدموا أموالا مباشرة وغير مباشرة للمستهلكين والشركات من أجل حمايتهم من آثار الأزمة وحماية الوظائف إن أمكن وإلى أقصى حد تسمح به السوق وقدرات كل دولة في السياسات المالية والنقدية.
أغرقت البنوك المركزية الأسواق المالية بالأموال ولا يمكننا التقليل من دور وأهمية هذه الخطوة لتخطي أزمة كوفيد - 19 إلا أن ذلك أشعل أسعار الأسهم والأصول إلى مستويات جديدة في مقابل معدل نمو ناتج محلي لا يوازي كل تلك الارتفاعات، وفي الحين ذاته حصل هناك تحوط من المستثمرين في أصول غير مصنفة وغير تقليدية -إن صح التعبير- أي: العملات المشفرة ورغم خطورتها في محافظ المستثمرين الأفراد وبعض المؤسسات في محاولة للتحوط من التضخم أو لدوافع أخرى مثل الثراء السريع أو الخوف من تفويت فرصة الاندماج في نظام اقتصادي جديد كما يراه البعض، ومهما كانت دوافعهم فإن العملات المشفرة استقطعت جزءا من أموال دعم الاقتصاد والناس دون أن يقابلها اعتراف رسمي صريح أنها عملة أو أصل استثماري.
على أي حال: رفع سعر الفائدة قبل حل مشكلة سلسلة الإمداد وضعف استثمارات النفط قد يؤدي لتضخم دائم ومزمن، ولا سيما أن السعودية رفعت العلم الأحمر بخصوص شح استثمارات النفط، كما أن كوفيد - 19 وتحولاته قد تستمر معنا فترات أطول ويظل التباعد الجسدي وتقليص وجود الناس في مناطق العمل أفضل الحلول، ثم إن التضخم المحتمل بعد رفع الفائدة دون وجود حلول حقيقة لجذر المشكلة سيزيد معدلات الفقر العالمي والأكثر إثارة أن عوز الاستهلاك سيكون ظاهرة وهو أشد خطورة على الاستثمارات في الاقتصاديات الناشئة والمتقدمة من الفقر الهيكلي المقبل من العقدين الماضيين في بعض الدول، أعتقد أن على مجموعة العشرين ومؤسسات الأمم المتحدة المعنية مسؤولية تنسيق جهود التعاون لمواجهة اضطراب سلسلة الإمداد وتوجيه الاستثمارات والائتمان لسلسلة الإمداد والاستثمار في التقنية والنفط لمستويات مقبولة قبل رفع سعر الفائدة.