التضخم وأسعار الفائدة في 2022
شهد 2021 ارتفاعا في معدلات التضخم وبطريقة متصاعدة عالميا سجلت أسعار المستهلكين في أمريكا معدلات 6.8 في المائة تعد الأعلى خلال العقود الأربعة الماضية، كما أن أوروبا سجلت معدلات تضخم 4.9 في المائة، لذا لم نعد متأكدين أن منحنى فيليبس قادر على المحافظة على علاقتي البطالة والتضخم في شكلها العكسي، أي إن التضخم المرتفع يعني بطالة أقل، فالبطالة والتضخم الذي يشهدهما العالم ما بعد 2020 يرسم أنماطا جديدة، فمعدلات البطالة قبل أزمة فيروس كوفيد - 19 كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بدورة العمل، وعلى أساس تلك الدورة تتحرك البنوك المركزية في تقدير معدلات أسعار الفائدة التي تتحكم في معدلي التوظيف والنمو الاقتصادي بشكل مزدوج ومتناوب، غير أن عوامل تضخم الأسعار التي نراها حاليا ناشئة من ارتباك في سلاسل الإمداد وتعطل إنتاج العاملين بتوصيات من السلطات الصحية، لحماية الناس من العدوى وضمان سلامة نظامنا الصحي من الانهيار، وهذا الأمر ولد لدينا فجوة في دورتي العمل والعمال وكلها عوامل تشكل ضغوطا تضخمية، ومما زاد من تعقيد الأزمة تقييد السفر عالميا، وبمعنى أوسع: الحد من تدفق حركة القوى العاملة عبر الاقتصادات كسر بعض الأسس الاقتصادية التي نعرفها في ضمان تدفق قوى العمل.
لمواجهة آثار الإجراءات الصحية وتبعاتها الاقتصادية قام صناع السياسات الاقتصادية بإصدار عدد من سياسات مالية ونقدية ضخمة واستثنائية، إضافة إلى عدد من سياسات التخفيف التنظيمي وتعددت أشكال الدعم على أساس مالي ونقدي، شملت التيسير الكمي في الاقتصادات المتقدمة والدعم المالي المباشر للمستهلكين، أما الدول الناشئة وبقية دول العالم، فكانت متنوعة أيضا كخفض سعر الفائدة والتخفيف والإعفاء من الرسوم أو الضرائب أو من أي إيرادات حكومية أخرى مهما كان تصنيفها.
وبما أن هناك أشكالا متنوعة من الدعم المالي والنقدي والتنظيمي، أي: بحسب هيكل اقتصادات كل دولة، فمثلا لدينا في السعودية اعتمدنا على دعم رواتب القطاع الخاص وتقديم الدعم المالي للمصارف، وتغيير آجال الاستحقاقات وسلسلة من الإعفاءات المالية للقطاعات المتأثرة وتخفيف عدد من القيود التنظيمية، إلا أن الشكل الحكومي في إدارة الاقتصاد ووجود معظم قوى العمل الأساسية في الحكومة حمى الوظائف، ولا سيما أن الحكومات تمتلك قدرة أكبر على تحمل الأزمات من القطاع الخاص، ولذا أعتقد أن قطاع المستهلكين والأسواق السعودية كانت أقل الدول الناشئة تأثرا بالأزمة، وستكون الأسرع في التعافي.
أخيرا: التعافي الاقتصادي العالمي لا يزال هشا، وحالة عدم اليقين سائدة، ورغم ذلك أعتقد أن الاقتصادات المتقدمة ستتخذ إجراءات أكثر صرامة وسرعة في رفع أسعار الفائدة إذا ما تدهورت السياسات السابقة وخرج التضخم عن السيطرة، وهذا يعني أن علينا الاستعداد مبكرا بعدد من السياسات المالية والتنظيمية لمعالجة فجوتي تعاكس ارتفاع أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي، وضمان سيطرتنا على التضخم وحماية قوتنا الشرائية للمستهلكين وزيادة معدلات التوظيف.