«أنا بدي فل»
كلما قرأت تصريحا لسياسي لبناني عن تمسكه بـ"سياسة" النأي بالنفس تبسمت، فهو يعيد إلى ذاكرتي موقفا ظريفا لزميل لبناني عمل معنا في مجلة اليمامة، كان مقر المجلة في بناية صغيرة من طابقين في حي الملز في الرياض، وكنا وقتها وسط أحداث حرب تحرير الكويت وصواريخ صدام حسين تستهدف عاصمتنا الأبية، وفي العاشرة من مساء كل يوم تقريبا؛ نترقب بيانات التلفزيون السعودي، فإذا أعلن المذيع تحذيرا عن قرب وقوع الخطر، وأطلقت الصفارات، يتجمع فريق المجلة في الدور الأرضي، التزاما بالتعليمات وحماية لأنفسهم. يكون الزميل اللبناني أول النازلين ركضا من الدرج يصرخ وهو في حالة هستيرية قائلا، "أنا بدي فل.. !"، ويحاول الجميع تهدئته والتخفيف عنه إلى أن تطلق صفارة زوال الخطر، فيعود كل منا إلى مكتبه، أما في فترة الدوام الصباحي ومع عدم وجود إشارات لخطر سقوط صواريخ فلا يأتي الزميل بذكر لرغبته في أن "يفل" من البلد. والواقع أن الزميل في رغبته النأي بنفسه والهروب من بلد يعيش حالة حرب مفهومة، فهو جاء بحثا عن لقمة العيش، ولا ناقة له ولا جمل في تلك الأحداث، كما أنه ليس له "يد" أو "رجل" في القضية، بعكس الساسة اللبنانيين من شركاء السلطة المسيطرة على لبنان حينما يدعون النأي بالنفس فهم جزء من المشكلة، إذ إنهم عون وغطاء شفاف للإرهابي "الإيران لبناني" لابس العمامة في بيروت، ولولاهم لما تمكن من السيطرة على الحكم في لبنان.
وما يطلق عليه سياسة النأي بالنفس خدعة بليدة فيها تذاك واستغفال للآخرين المستهدفين بصادرات لبنان من إرهاب ومخدرات، فلا يمكن لسائق سيارة انتحارية أن ينأى بنفسه عن مسؤولية المتفجرات المحملة فيها ولا دماء ضحايا متفجراتها، هذا الشعار"السياسي" المتذاكي ـ النأي بالنفس ـ نموذج صغير للحالة اللبنانية السياسية والاقتصادية والإعلامية التي استطاعت إيران خميني وخامنئي استغلالها للنفاذ والهيمنة على دول عربية، فلولا لبنان بحالته تلك لما تمكنت إيران مما حققته وما تسعى إلى تحقيقه في كل بقعة تصل إليها أو يصل هو "لبنان" إليها، ولا شك أن "القبول" العربي بلبنان والحالة اللبنانية الرمادية على أنها استثنائية ولو مسايرة وقتية تراكمت لأعوام، أسهم في جعله منصة إرهابية إيرانية، لكن تبقى المسؤولية الأساس لبنانية، ومن ينأى بنفسه عليه أن يقرن القول بالفعل، فإذا قيل: إنه لا يستطيع، فعليه إذن أن يصمت، بدلا من أن يساعد الإرهابي لابس العمامة في بيروت بكذبة النأي بالنفس.