Author

واقع التحول الأمريكي في الطاقة ومستقبله «1»

|
مختص في شؤون الطاقة
أعتقد أن العالم ما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة دون استثناء، فالعالم ينمو في جميع المجالات نموا مطردا، وهذا النمو يرافقه بطبيعة الحال نمو في الطلب على الطاقة. هذا النمو يحتم على الجميع التركيز على رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، وليس السعي الحثيث لإقصاء بعض مصادر الطاقة أو محاولة تهميشها. ما يهم العالم فعلا هو وجود إمدادات موثوقة ومستقرة للطاقة تغذي شرايين العالم لتواكب هذا النمو، فأمن الطاقة العالمي هو قضية الجميع دون استثناء، وتحقيق هذا الأمن يعني تعاون الجميع والتعامل مع هذه القضية بحكمة وبنظرة شمولية تتجاوز المصالح الشخصية الضيقة والمماحكات السياسية والاقتصادية! قبل قراءة الموقف الأمريكي من الطاقة وعلى رأسها النفط واستشراف التحول الأمريكي في الطاقة.
أود تسليط الضوء على بعض الأرقام المهمة التي تخص الاستهلاك الأمريكي للطاقة والقطاعات المستهلكة لها حتى 2050، وهذه الأرقام من التقرير السنوي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. استهلكت أمريكا في 2020 نحو 33 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية من النفط والسوائل النفطية الأخرى، واستهلكت كذلك نحو 31 كوادريليون وحدة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى استهلاكها نحو تسعة كوادريليونات وحدة حرارية من الفحم. فيما يخص الطاقة المتجددة استهلكت أمريكا نحو ثمانية كوادريليونات وحدة منها، واستهلكت الكمية ذاتها من الطاقة النووية، وأقل من ثلاثة كوادريليونات وحدة لكل من الطاقة المائية والوقود الحيوي.
للتوضيح للقارئ، الكوادريليون يساوي مليون مليار، والوحدة الحرارية البريطانية هي كمية الطاقة اللازمة لتسخين واحد رطل "باوند" من الماء درجة حرارية واحدة "فهرنهايت" الجدير بالذكر وبالعودة للأرقام التاريخية للاستهلاك الأمريكي للطاقة، نجد أن الاستهلاك الأمريكي للطاقة من النفط والسوائل النفطية الأخرى عاد لمستويات الاستهلاك في 1990 تقريبا بنحو 34 كوادريليون وحدة، بعد أن وصل إلى نحو 40 كوادريليون وحدة حرارية بريطانية في 2005. هذا يعني أن هناك انخفاضا في استهلاك الطاقة من النفط والسوائل الأخرى بين 2005 و2020 بمقدار 17.5 في المائة تقريبا، وفي رأيي أن هذا الانخفاض منطقي ومبرر، بسبب الارتفاع الملحوظ في استهلاك الطاقة من الغاز والطاقة المتجددة. حيث إن استهلاك الطاقة من الغاز ارتفع في 2020 مقارنة بـ 2005 تجاوز 45 في المائة، وكذلك ارتفعت نسبة استهلاك الطاقة من الطاقة المتجددة بين العامين ذاتهما بواقع 260 في المائة، من 2.5 كوادريليون وحدة حرارية في 2005 إلى نحو 9.5 كوادريليون وحدة في 2020. أما استهلاك الفحم في توليد الطاقة فقد انخفض بنسبة كبيرة تتجاوز 50 في المائة منذ 1990، حيث استهلكت أمريكا في 2020 نحو تسعة كوادريليونات وحدة حرارية بريطانية. أما استهلاك الطاقة النووية فبقي ثابتا نسبيا خلال هذه الفترة دون تغير كبير في بعض المراحل، وهذا ينسحب كذلك على الطاقة المائية والطاقة المستخرجة من الوقود الحيوي.
هذا تاريخ وواقع التحول الأمريكي في الطاقة الذي مر بمراحل متغيرة وبظروف متقلبة بين الفينة والأخرى، إضافة إلى بزوغ نجم النفط الصخري الذي تزامن مع زخم قضية تغير المناخ، فما هو مستقبل التحول الأمريكي في الطاقة؟ وما أثر ذلك في العالم وسياساته؟ هذا هو موضوع المقال القادم - بإذن الله.
إنشرها