Author

الشحن البحري .. عقبات وتعقيدات

|

يعاني العالم أزمة حقيقية في نقل السلع الأساسية منذ انتشار فيروس كورونا في كل دول العالم ودون استثناء، وذلك بعد أن تعطلت معظم الأنشطة التجارية، والحيوية، ذات العلاقة بالعائد الاقتصادي. ويأتي هذا الوضع خاصة أن معظم السلع يتم شحنها من مراكز التصنيع إلى الأسواق العالمية، عبر الشحن البحري، وهناك تقارير تشير إلى أن 90 في المائة من السلع على مستوى العالم يتم شحنها عبر المياه الدولية، والنسبة المتبقية يتم نقلها عبر الجو، أو الطرق البرية، والسكك الحديدية.
شركات الشحن البحري عانت منذ بدايات العقد الماضي، انخفاض مستويات الأرباح نظرا إلى حجم المنافسة، ما أجل عديدا من خطط الاستثمار سواء في زيادة عدد السفن، أو حجمها، أو حجم الحاويات، ولم تكن هذه الصناعة تنتظر حدثا أسوأ من انتشار فيروس كورونا، الذي أعاق كل فرص الاستثمار، بل تسبب في تعليق عديد من البواخر في أقاصي البحار، بعد انتشار الأنباء عن تفشي الفيروس حتى في بعض السفن، التي لم تجد مكانا لترسو فيه.
ومع حمى عودة العمال إلى دولهم تنفيذا للإجراءات الاحترازية التي عمت العالم خلال العام الماضي، أصبحت الموانئ شبه خالية، إلى جانب أن جزءا كبيرا من خدمة الشحن العالمي توقفت تماما. وفي وقت بدأت فيه السلع تنفد من المخازن، والمستودعات في كل مكان تقريبا، عادت التجارة العالمية إلى مساراتها ولكن مع أزمة حادة في الموانئ، ثم عدد السفن الجاهزة للإبحار، وحجم البحارة القادرين على ذلك، وتحول الركود الذي عم هذه الصناعة عقدا كاملا إلى نمو فاق كل التوقعات، وأصبحت تلبية الطلبات هي المعضلة الكبرى.
وكان عام 2021 بمنزلة تحد لمدى مرونة هذه الصناعة وقدرتها على الاستجابة للضغوط، وفي هذا الشأن يؤكد المتحدث باسم تحالف "هاباج- لويد" Hapag-Lloyd أن عام 2021 كان مميزا من حيث تحقيق صناعة الشحن البحري المليارات من الأرباح بعد عشر سنوات عجاف، لكنه عدّ أن التسليم في الموعد، والتأخير في جداول التسلم، والتسليم أمر محبط للغاية، وأن الموقف الحالي صعب ومعقد.
تشير البيانات إلى أن حجم الطلب كان أكبر من قدرة هذه الصناعة على استيعابه، وأدى الانتعاش الاقتصادي المبكر، خاصة في الصين، والولايات المتحدة، إلى زيادة الطلب على النقل البحري لدرجة استنفاد الطاقات المتاحة، وفي ظل فترة طويلة من ضعف الاستثمارات. ولأن تطوير السفن والحاويات يأخذ وقتا على كل حال فإن على العالم دفع فاتورة ذلك، لكن المسألة لم تكن معضلة عدم توافر السفن فقط، بل لأن عودة طواقم السفن للعمل أصبحت تواجه قيود السفر وتعقيداته في العالم أجمع، فظل كثيرون من العمال والبحارة غير قادرين على العودة إلى سفنهم بسبب هذه الاشتراطات.
مؤسسات دولية طالبت بتخفيف هذه القيود، لكن متحورات كورونا عقدت الوضع، في كل مرة، إضافة إلى انخفاض مستويات التطعيم التي تعد مضلة كبيرة في عدد من الدول الرئيسة في صناعة الشحن البحري المحتضنة لأهم موانئ جنوب شرق وجنوب آسيا. حتى مع انتشار التطعيم فإن حدوث متحور دلتا كان قد أثر في قرارات الدول لفتح أجوائها أمام الدول المتأثرة بالمتحور، كما أن ظهور متحور أوميكرون الجديد قاد أيضا إلى تأثيرات جديدة في مواعيد وصول الواردات عبر الشحن البحري في المياه الدولية.
عضو مجلس "حكماء الاقتصاد" الذي يقدم نصائح اقتصادية للحكومة الألمانية، أكدت في تصريحات نشرتها "الاقتصادية"، أن "أوميكرون" قد يفاقم اختناقات التوريد القائمة بالفعل، وأضافت أن فترات الشحن البحري من الصين إلى الولايات المتحدة زادت من 85 إلى 100 يوم بسبب متغير دلتا، وهذه الفترة من الممكن أن تزيد على ذلك مجددا، مشيرة إلى أن أوروبا ستتضرر من هذه المشكلة، وسيظل الوضع مضطربا.
ويعد متحور أوميكرون لافتا للانتباه، لكونه سريع الانتشار، كما أن الأشخاص الذين تم تطعيمهم منذ فترة طويلة يمكن أن يصابوا بالمرض، وأن يسهموا في انتشار الفيروس، ورغم أن التطعيم يحمي من الإصابة بمسارات شديدة من المرض كما تشير التقارير إلا أن اتجاهاته في سرعة الإصابة تجعل الحذر منه أمرا مطلوبا وهذا ما أكده رئيس معهد روبرت كوخ الألماني لمكافحة الأمراض.
في ظل هذا التطور فإن مشكلات سلاسل التوريد العالمية قد تقود لزيادة الأسعار، ويظهر ذلك جليا في ألمانيا التي ارتفعت فيها أسعار الواردات بقوة، وهذا الارتفاع لم تشهده البلاد منذ 47 عاما.
اختناقات التوريد، ومشكلات سلاسل الإمداد عبر البحار وعودتها من جديد تشكل عائقا كبيرا أمام الصناعة والتجارة العالمية، وستتضرر كثير من الدول جراء التداعيات التي سيخلفها، وهو الأمر الذي يرجح أن يسهم بشكل كبير في ركود النشاط الاقتصادي العالمي على المدى القصير في حال تم احتواء أزمة المتحور الجديد في الوقت المناسب.

إنشرها