Author

تراجيديا المشاع

|
منذ أعوام خلت كان الصمان " شمال شرق المملكة " قبلة المتنزهين من عشاق الكشتات ويعلو كعب المكان حينما يوسم بالغيث ويرتسم بالدفء فيعشوشب ويصبح قطعة غناء لا مثيل لها، ومازال هذا رسمه ووصفه حتى بدت ملامح جماله بالنضوب وتخفت نسمات الربيع من بين يديه شيئا فشيئا حتى أصبح جردا قالحا كالحا كأن لم يغن بالأمس، حتى بات غصن السدر كالهشيم تذروه الرياح.
محزن ما رأيته آخر مرة في تلك المنطقة الجميلة فالمراعي مكنوسة والأشجار مكسورة والفياض مخرومة بإطارات المركبات وكل هذا مشاهد ومعتاد مع الأسف، ولكن ما يستغرب ويلفت النظر هو كثرة الإبل والغنم في تلك الرياض حتى لا تكاد تقطع كيلو متر واحد إلا وجيوش من الماشية تقطع الأخضر وتدوس على اليابس.
لقد جاءت المحميات الملكية بوصفها منقذا للوضع الصعب الذي تعيشه البراري في المملكة بسبب كثرة المواشي وعدم اكتراث أصحابها بتولي مسؤولية أعلافها، فتكون الأرض التي تعد ملكية عامة كأنها قطعة من مزرعته وربيعها يعده محصوله الذي يبتغي منه السمن والحليب.
تعاني المراعي الصغيرة والمشاعة أصحاب المواشي ليس في الصمان فقط، بل في كل أنحاء العالم، حينما يسمح للجميع بإحضار ماشيتهم إليه، هذا المرعى لا يمتلكه شخص محدد بل يعد ملكية عامة، ويمكن لأي فرد أن يجلب إليه أكبر عدد ممكن من الماشية الخاصة به كما يريد.
مع مرور الوقت يجلب مزيد من أصحاب الحلال ماشيتهم لإدراكهم أنه يمكنهم استغلال تلك الأرض دون الحاجة إلى رعايتها، وهكذا حتى تغدوا قاعا صفصفا.
الموارد المتاحة للجميع سواء كانت في الأرض أو في البحر أو في الأنواع إذا استنزفت واستهلكت لم تعد صالحة للاستخدام من قبل أي شخص، فالبشر بطبعهم شديدو التنافسية ولا يعترفون بالمبادئ البيئية المشتركة في أن من يلوث يعالج ومن يربح يدفع.
تسمى هذه الظواهر بـ "تراجيديا المشاع" وتنص أن الأفراد أحيانا يتصرفون وفقا للمصلحة الشخصية لكل منهم ويقومون باستنزاف مورد مشترك على الرغم من إدراكهم أن استنزاف هذا المورد يتعارض مع المصلحة المشتركة للمجموع في المدى الطويل، وباختصار، معظم الأفراد والمجتمعات يتخذون قراراتهم بناء على ما سيكسبونه أو سيخسرونه "الآن" وليس على المدى الطويل.
إنشرها