Author

ميزانية مثالية بمستقبل زاهر

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تستمر المملكة العربية السعودية في إصدار ميزانيات بأرقام ناطقة وضخمة في ظل برامج رؤية المملكة 2030 وهي تحمل في طياتها بشائر الخير والأمل لتحقيق آمال المستقبل الاقتصادية في ظل برنامج التحول في تنويع مصادر الدخل القومي وتعزيز مفهوم الاقتصاد الكلي والمعرفي وأمس، صدر المرسوم الملكي بشأن الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1443 - 1444 هـ (2022)، واتم اعتماد المصروفات بمبلغ (955) مليار ريال، وقدرت الإيرادات بـ (1,045) مليار ريال وبهذا تعود الميزانية العامة للدولة بفائض يقدر بـ (90) مليار ريال لأول مرة منذ عام 2015 وبلغ حينها (388.6) مليار ريال حتى وصل إلى نحو (560) مليار ريال عام 2018، لقد انطلقت رؤية المملكة 2016 والمالية العامة تعاني تناقصا حادا في الأرصدة والاحتياطيات نتيجة السحب الكبير لمقابلة المصروفات التي يتطلبها هيكل الحكومة في حينه مع ضعف أدوات الرقابة والتخطيط المركزي، وكانت رؤية المملكة 2030 بمنزلة طوق النجاة للاقتصاد السعودي، فيما لو تم الالتزام الصارم بمحاورها ومبادراتها كافة، خاصة برنامج التحول الوطني وما تضمنه من إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة، وحل عديد من المجالس والأجهزة ودمج بعضها ببعض لتحقيق تكامل الأعمال وحوكمة أفضل للقطاع العام، وفي المسار نفسه عملت المالية العامة على إعادة ترشيد العقود الحكومية فأنشئ مكتب كتب كفاءة الإنفاق الذي تم تطوير أعماله إلى هيئة عامة، كما تم تطوير منصة اعتماد التي طورت الحوكمة والشفافية في العقود الحكومية، كما تم تطوير مركز تنمية الإيرادات الذي أصبح هيئة بدوره، كل هذه الجهود مكنت من الحفاظ على زخم العمل الحكومي والإنفاق حتي لا تضطر الدولة إلى اعتماد نماذج الميزانية التقشفية والذي كان يمكن أن يؤدي بدوره إلى خلل في هياكل السوق وبالتالي النمو الاقتصادي عموما، وبشرتنا الرؤية في عام 2016 بتحقيق فائض عام 2020 لكن للظروف التي مرت على الاقتصاد العالمي خلال عام 2020 وانتشار فيروس كورونا وما تبعه من إغلاقات اقتصادية وتراجع في الأسعار عموما فقد تمت إعادة تقييم الأمور توقع أن تحقق المالية العامة الفائض عام 2023، واليوم وقبل عام كامل تحقق الرؤية أحد أهم إنجازاتها ومستهدفاتها التي وعدت به، وتحقق الفائض دون الحاجة إلى ميزانية تقشفية فقد كانت المالية العامة تعتمد المصروفات العامة كل عام بنمو متوازن فقد كانت النفقات الفعلية للمالية العامة تتجاوز تريليون ريال منذ عام 2018، وهذا التوازن في الإنفاق منح الاقتصاد قدرة كبيرة على العودة بعد التراجع على أثر جائحة كورونا، حيث تراجع الاقتصاد إلى أكثر من ٤ في المائة عام 2020، ثم عاد للنمو بأعلى من 2 في المائة عام 2021 ومن المتوقع أن يتجاوز ٤ في المائة عام 2022، ولم يكن هذا ليحدث لولا فضل الله ثم التخطيط المحكم لتدفقات النقدية الداخلة والخارجة من المالية العامة، التي تم من خلالها ضبط آليات الإنفاق وتوجيهها بشكل صحيح يضمن استدامة النمو والعودة إلى المسار بسرعة كافية وقد أشادت المؤسسات الدولية بهذا كله سواء في تقارير زيارات صندوق النقد الدولي أو تقارير مؤسسات التصنيف التي منحت المالية العامة تصنيفا مرتفعا، كل هذا مرده - بعد فضل الله - إلى الالتزام التام بمستهدفات رؤية المملكة 2030 وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي ظل جهود كبيرة وجبارة ومشهودة لتحسين حوكمة إدارة المال العام ومكافحة الفساد. ولقد أكدت كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة إعلان ميزانية عام 2022، عزم القيادة على استدامة التنمية، وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، وتحسين حياة المواطن، وتعكس إصرار المملكة على النجاح وتحويل التحديات والأزمات إلى فرص وإيجابيات.
ويأتي الفائض المتوقع في المالية العامة بتأكيد خادم الحرمين الشريفين على المضي في طريق الإصلاح الاقتصادي مؤشرا يعزز الثقة بنهج المملكة، وتقدمها الثابت نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، التي سبق وحددت سقف الإنفاق العام للمملكة حتى عام 2023، والتي قدرت في عام 2022 بـ(955) مليار ريال، وفي عام 2023 بـ(940) مليار ريال، بعد أن كان العجز المتوقع في عام 2022 بـ(91) مليارا، أصبح اليوم وبفضل الله يقدر بفائض (90 مليارا)، يأتي هذا الفائض رغم أن المملكة حافظت على مستهدفات الرؤية وعدم الخروج عن المسار المخطط لها، وهذا يقدم دليلا على أن أخطاء الماضي لم تعد تجد مكانا لها اليوم، فالتخطيط الاستراتيجي يمضي وسيتم التعامل من المتغيرات وفقا لظروف الحال، ففي وقت مضى كان توقع مثل هذا الفائض يسمح للجهات الحكومية بمزيد من الإنفاق غير المستند إلى خطط استراتيجية مستقرة، معتمدة وهذا سمح في فترات سابقة باعتماد مشاريع لم تكن تجد ما يكفي من دراسة الجدوى الاقتصادية لها، وهو ما قاد في تلك الفترة إلى كثير من المشاريع المتعثرة رغم الفائض، لكن الحال تغيرت اليوم بالتوجيهات فإن المالية العامة تحافظ على مستويات إنفاق تعزز من التزام الحكومة بتوفير حياة كريمة للمواطنين وتحسين جودة حياتهم وتحقيق التنمية البشرية وتوفير الوظائف وتحسين البنية التحتية والارتقاء بالخدمات. وهو ما أكده ولي العهد من أن توجيه فوائض الميزانية اليوم سيكون نحو زيادة الاحتياطيات الحكومية الموجهة لاحتياجات جائحة كورونا لأن صحة الإنسان تقع على رأس أولويات الدولة، وأن تحدي الجائحة لا يزال قائما حتى الآن، كما سيتم توظيف الفوائض لتقوية المركز المالي للمملكة، ورفع قدراتها على مواجهة الصدمات والأزمات العالمية.
من المهم الإشارة إلى أن الإيرادات المقدرة للمالية العامة خلال عام 2022 تأتي بقفزة كبيرة ليبلـغ إجمالـي الإيـرادات فـي عـام 2022 نحو 1,045 مليـار ريـال وبارتفـاع بنسـبة 12.4 في المائة عـن توقعـات 2021، ورغم أنه من المتوقـع أن يبلـغ إجمالـي الإيـرادات لعام 2021، نحو 930 مليـار ريـال وذلـك بارتفـاع نسـبته 19.0 في المائة مقارنـة بعام 2020 وبنسـبة 9.6 في المائة مقارنـة بالميزانيـة المعتمـدة، ويعـزى هـذا الارتفـاع بشـكل أساسي إلى التنوع الاقتصادي ودخول منظومة الإيرادات غير النفطية لتمنح المالية العامة استقرارا كبيرا، ومع عودة أسعار النفط إلى الارتفاع، حيـث وصـل متوسـط سـعر نفـط برنـت إلى نحـو 69.5 دولار للبرميـل، والجميع يدرك الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لعودة أسعار النفط إلى مستوياتها السابقة ومع استراتيجية واضحة للنمو والتنسيق بين المنتجين كافة ما يمنح قدرة أفضل للتنبؤ، لذا فإن الأثر التراكمي لتطور القطاع غير النفطي وإشراك القطاع الخاص بدا اليوم واضحا وأسهم في تحقيق أهداف الرؤية على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، فقد أظهرت عديد من المؤشرات نمو الأنشطة الاقتصادية وعودتها إلى مستويات ما قبل الجائحة، وانخفاض معدلات البطالة بين المواطنين من 12.6 في المائة إلى 11.3 في المائة، نتيجة ازدياد فرص العمل.
وأكدت ميزانية عام 2022 نجاح التخطي المالي المنضبط وهو ما يرفع الثقة ويزيد من التفاؤل بتحقيق المستهدفات كافة كما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكثر من مرة وأننا نحقق الأرقام المستهدفة قبل موعدها المقرر، ومع تخطيط المملكة لأن يبلغ الإنفاق 27 تريليون ريال حتى عام 2030 كأكبر حجم إنفاق تشهده في تاريخها، فإن المرحلة الثانية من برنامج تحقيق الرؤية تعدنا بالكثير - بإذن الله - وإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، بما يؤدي إلى رفع جودة حياة المواطن وتحسينها، من خلال الارتقاء بمستوى الخدمات وزيادة فرص التوظيف والاستثمار، وزيادة تملك المواطنين للمساكن.
إنشرها