Author

وقفة إنسانية مع ذوي الاحتياجات الخاصة

|
إن ذوي الاحتياجات الخاصة هم الأشخاص الذين يعانون قصورا أو اختلالا كليا أو جزئيا دائما أو مؤقتا في قدراتهم الجسدية، أو الحسية، أو العقلية، أو الاتصالية، أو التعليمية أو النفسية بشكل يحد من استخدام إمكاناتهم البشرية في تلبية متطلبات التعامل السوي مع الأسوياء من البشر. في 1992 اتخذت منظمة الأمم المتحدة قرارا باعتبار الثالث من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، هو اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. وأهابت المنظمة بالمجتمع الدولي أن يحتشد في هذا اليوم بكل قواه من أجل دعم ذوي الإعاقات أو ما تعارف على تسميتهم بذوي الاحتياجات الخاصة. وفي هذا اليوم تطالب الأمم المتحدة المجتمع الدولي، بجميع أفراده ومؤسساته، بضرورة فهم قضايا الإعاقة، ودعم حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، كما تدعو الأمم المتحدة إلى ضرورة الاهتمام بإدخال الأشخاص الذين لديهم إعاقات في الحياة الطبيعية سواء في شقها السياسي أوالاقتصادي أوالثقافي أو الرياضي، وأن تساعدهم على ممارسة حياتهم الطبيعية دون معوقات أو متاعب.
هذا من ناحية، ومن أخرى فإن ديننا الإسلامي الحنيف اهتم اهتماما بالغا بذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع الإسلامي، قال تعالى: (ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج)، وأعطى الإسلام لهؤلاء المعوقين حقوقهم كاملة، وحرص على دمج المعافى منهم في مجتمعه، وأهاب بالأسوياء أن يفتحوا الطريق أمام كل معوق ليمارس حقوقه كاملة وسط مجتمعه بعيدا عن التعيير أو التعييب، بمعنى أن المجتمع المسلم هو المجتمع الموصوف بالرحمة التي هي اسم من أسماء الله - سبحانه وتعالى -، والرحمة واجبة لمستحقيها من المعوقين قبل الأسوياء. ولكن رغم ذلك فإن بعض قصيري النظر أو حتى بعض العاملين في الأوساط الاجتماعية يتندرون ــ مع الأسف الشديد ــ على بعض من أصحاب الإعاقات دون وخز من وعي أو وازع من ضمير، ويكثر وجود هؤلاء القاصرين في هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ممارسات غير أخلاقية بحق فئة عزيزة علينا لا حول لها ولا طول، وإنما شاءت إرادة الله أن يصابوا بقصور في قدراتهم الجسدية، أو الحسية، أو العقلية، أو النفسية.
وكان الأجدر بكل الأسوياء من الناس أن يتضافروا لمساعدة إخوانهم من المعوقين والعمل معهم لتهوين ظروف حياتهم وتطبيعها حتى تقترب من الحياة الطبيعية لسائر أفراد المجتمع.
نحن هنا نطالب بإنزال أقصى العقوبة بكل من يثبت أنه استخدم أي وسيلة من وسائل الثقافة أو من وسائل الإعلام للتهكم بأبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما نطالب بتجريم كل شخص يقوم بنشر مواد تحط من قدر ذوي الاحتياجات الخاصة، ونؤكد أن الإعاقة الحقيقية لا تتمثل في هذا الإنسان المعوق، وإنما تتجسد في كل شخص لا يدرك أهمية دوره الإنساني في دعم مسيرة إخوتنا من أصحاب الإعاقات القدرية.
والمطلوب من جميع أفراد المجتمع أن يعملوا على فتح الطريق أمام كل شخص مبتلى بالإعاقة كي يمارس حياته بأريحية كاملة وسط مجتمعه وبين جمهوره بعيدا عن الحساسيات والمبررات الشخصية.
إن أجمل ما يمكن أن نفعله في اليوم العالمي لذوي الإعاقة هو مشاركة أصحاب الإعاقات مشاعرهم وقضاياهم، وتقديم الدعم الكامل لهم بالقول والعمل والممارسة، بمعنى أن دورنا هو أن نتعلم المزيد عنهم، وأن نستوعب ظروفهم وقدراتهم، ويجب أن ندرك جميعا أن أشقاءنا من ذوي الإعاقة ينتظرون منا في الثالث من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام أن نكون على قدر المسؤولية، وأن ندرك حجم المعاناة التي يمرون بها، وأن نفهم ونتفهم أنهم يعيشون في لجج من الآلام والأسقام والأتعاب، وأنهم يتطلعون إلينا بأمل لنجدتهم ومساعدتهم على ظروفهم التي تتحكم في إرادتهم وفي قدراتهم.
إن الإحصاءات التي تنشرها مراكز الأبحاث العالمية تؤكد أن نحو 80 في المائة من ذوي الإعاقة يقعون في محيط الدول النامية، وأن هؤلاء المعوقين لا يحصلون في دولهم على الحد الأدنى من الحقوق التي تقرها منظمة الأمم المتحدة، ولذلك فإن الأمم المتحدة تعد حقوق ذوي الإعاقة جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، أي تم ربط حقوق ذوي الإحتياجات الخاصة بمبادئ حقوق الإنسان التي يتعين على المجتمع في أي مكان من العالم أن يعطيها لأصحابها المصابين بأي نوع من أنواع الإعاقة.
إن من أهم معايير الدول كي تصنف ضمن الدول المتقدمة هو أن ترعى مواطنيها من أصحاب الهمم، وأصحاب الإعاقات، وأن تيسر لهم سبل معاشهم وحياتهم، وأن تمنحهم من تيسيرات الحياة ما يسهل ظروف حياتهم اليومية. والخلاصة، أننا في اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة نحتاج إلى وقفة مع كل أفراد المجتمع ومؤسساته حتى نقدم للمعوق ما يحتاج إليه من مساعدات ودعم كي يمارس حياته بعيدا عن تنغيصات الإعاقة.
إنشرها