أخبار اقتصادية- عالمية

معادلة معقدة لعلاقة الشركات بالتكنولوجيا الحديثة .. إخفاقات عند الغياب أو المبالغة

معادلة معقدة لعلاقة الشركات بالتكنولوجيا الحديثة .. إخفاقات عند الغياب أو المبالغة

يجب معرفة عدد الخطوات التي قد تلغيها التكنولوجيا الجديدة في عمليات الشركات الحالية.

معادلة معقدة لعلاقة الشركات بالتكنولوجيا الحديثة .. إخفاقات عند الغياب أو المبالغة

يجب معرفة عدد الخطوات التي قد تلغيها التكنولوجيا الجديدة في عمليات الشركات الحالية.

معادلة معقدة لعلاقة الشركات بالتكنولوجيا الحديثة .. إخفاقات عند الغياب أو المبالغة

يجب معرفة عدد الخطوات التي قد تلغيها التكنولوجيا الجديدة في عمليات الشركات الحالية.

في دراسة حديثة لشركة سامسونج خلصت إلى أن الإنتاجية المفقودة نتيجة استخدام تكنولوجيا عفا عليها الزمن أو قديمة نسبيا يؤدي إلى تكلفة الشركات 1.8 تريليون دولار سنويا. تلك التكلفة تتراوح بين ارتفاع مصاريف الصيانة والخسائر الناجمة عن بطء العملية الإنتاجية وارتفاع معدلات الفاقد نتيجة غياب الدقة.
بل إن عدم اعتماد شركة ما على أساليب إنتاجية حديثة، يترك تأثيرا سلبيا في العملاء، وصل في بعض الحالات إلى تفضيل 90 في المائة من العملاء نقل أعمالهم وأنشطتهم إلى شركات تستخدم تكنولوجيا أحدث، حتى وإن كانت تلك الشركات أصغر حجما.
إضافة إلى ذلك أن التكنولوجيا القديمة ستكون أكثر عرضة للثغرات الأمنية التي يمكن للمتسللين استغلالها، ما يعرض الشركة والعملاء للخطر، فغالبا ما تكون الأنظمة القديمة غير مدعومة، ما يترك برامج الأمان غير محدثة. كما أن معدلات الإخفاق وفشل التطبيقات في التكنولوجيا القديمة أكثر من نظيرتها الحديثة، وبالطبع تؤدي تلك الإخفاقات إلى زيادة معدلات التوقف عن العمل، الأمر الذي يعد لعنة بمعنى الكلمة للأداء والربحية بالنسبة لأي شركة.
تلك هي الصورة النمطية والواقعية أيضا عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الشركة والتكنولوجيا المستخدمة لديها في العملية الإنتاجية.
ولكن ككل عملة هناك وجهان لها، فإذا كانت التكنولوجيا القديمة مكلفة من حيث الخسائر الناجمة عن مواصلة استخدامها أو غياب تحديثها، فإن السؤال الآخر سيتعلق بخسائر من نوع مختلف والمرتبطة بالتكلفة الاقتصادية التي ستتعرض لها مؤسسة أو شركة ما عند "المبالغة" في اقتناء تكنولوجيات تفوق احتياجاتها الواقعية، ودون أن يكون هناك مبرر اقتصادي حقيقي لها.
ولهذا فإن أحد أبرز التحديات التي تواجه الشركات الناشئة أو التي ترغب في القيام بعملية تطوير جزئي أو شامل، يتمثل في بناء نموذج اقتصادي للعلاقة بين الشركة واحتياجاتها الحقيقية من الأنواع المختلفة من التكنولوجيا، ويبرز هذا التحدي عند رصد الميزانيات وحساب التكلفة والعائد.
ربما يعد السؤال الأهم والواجب طرحه عند الاستثمار في تقنية حديثة هو "ما الذي ستضيفه التكنولوجيا إلى العمل؟". وبعيدا عن الهوس الذي يجتاحنا كأفراد نتيجة سحر التكنولوجيا، حيث غالبا ما نعمل على شراء واقتناء آخر "موديل" دون أن نكون في حاجة حقيقية إلى كل ما يحمله هذا الموديل في طياتها من إمكانيات، فإن الأمر في عالم الأعمال يختلف حيث يجب أن نواجه الحقائق بتحليل بارد يتعلق بالربح والخسارة في الأساس.
يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور بيتر مورسن أستاذ المحاسبة العامة في كلية لندن للتجارة، "تواجه معظم الشركات والمؤسسات الإنتاجية تحديات مستمرة من أقسام المشتريات لتحقيق وفورات في التكاليف على أساس سنوي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال البحث عن طرق جديدة للقيام بالأشياء المعتادة، ويمكن بالطبع أن تلعب التكنولوجيا دورا رئيسا في تحقيق ذلك".
ويضيف "ولكن علينا أن نعرف بالضبط عدد الخطوات التي قد تلغيها التكنولوجيا الجديدة في عملياتك الحالية؟ ما مقدار السرعة التي سيمكنك بها ذلك من تسليم المنتج للعملاء؟ إلى أي مدى سيكون المنتج النهائي أفضل؟ والأهم بالطبع إلى أي مدى ستمنحك هذه العوامل ميزة على منافسيك في مجال عملك الأساسي".
مجموعة الأسئلة التي يطرحها الدكتور بيتر مورسن كمقدمة قبل الإقدام على اتخاذ قرار بشأن عملية التحديث التكنولوجي، ترتبط في جزء منها بعملية فحص التكاليف وما إذا كانت الشركة أو المؤسسة قادرة على تحمل التكلفة الاستثمارية من عدمها، فأحيانا اتخاذ قرار بعدم الاستثمار وتأخير عملية التحديث التكنولوجي للعملية الإنتاجية يعد بشكل أو آخر استثمارا أيضا.
باختصار، الحكم في اتخاذ قرار بالمضي قدما أم لا في عملية التطوير التقني أو الاعتماد على تكنولوجيا أكثر تقدما يجب أن يرتبط بتحليل التكلفة/ العائد، ولا يرتبط بالضرورة بالتقنية الحديثة في حد ذاتها.
تلك التساؤلات قد تتصادم أحيانا بالاتجاه العام السائد فيما يتعلق باستخدام التقنيات الحديثة، فآخر التقديرات تشير إلى أنه في 2020 تم إنفاق نحو 3.6 تريليون دولار على المعلومات والتكنولوجيا، ومن المتوقع أن يرتفع ذلك بنسبة 6 في المائة تقريبا هذا العام. بالطبع لا يعد هذا أمرا مفاجئا حيث إن فيروس كورونا أدى إلى زيادة الطلب على جميع الأشياء التقنية.
القطاع الأكبر من الشركات الرائدة في الاقتصاد العالمي، عملت على تسريع توجهاتها نحو التحول الرقمي، وتبنت أغلب الشركات التكنولوجيا الجديدة للسماح بالاستفادة من فورة التجارة الإلكترونية.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" ديفيد سيمون الباحث الاقتصادي في مجال التجارة الإلكترونية، "على مدار الـ12 شهرا الماضية كان أداء مؤشر إف تي إس أي للتكنولوجيا العالمية جيدا، إذ ارتفع بنسبة 56 في المائة مقارنة بمكاسب سوق الأسهم العالمية الأوسع بنسبة تقارب 40 في المائة، وتعزز ذلك من خلال الزيادة الكبيرة في الطلب على الخدمات عبر الإنترنت".
ويضيف "وحتى إذا نظرنا إلى الأداء على مدى العقد الماضي فقد نما المؤشر بنسبة 557.3 في المائة مقارنة بسوق الأسهم العالمية الأوسع التي نمت بنسبة 200.5 في المائة".
لكنه يقول: "يجب على المستثمرين الاستثمار في التكنولوجيا فقط إذا كانت أهداف الاستثمار متوافقة مع أهدافهم الخاصة، وكانت هناك حاجة محددة إلى نوع الاستثمار الذي يتم إجراؤه".
يصعب إنكار أن التكنولوجيا تعمل على تغيير الطريقة التي يؤدى بها النشاط الاقتصادي، إذ تؤثر في كل جانب من جوانب الأداء في الشركة، ابتداء من الموارد البشرية وانتهاء بالأجور كنسبة من التكلفة الكلية، ومع هذا فإن النقاش لا يزال مستمرا عن الدور الذي تلعبه بعض جوانب التكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي المعزز في الأعمال، بل يزداد النقاش والجدل حول المنصات والخدمات التقنية التي تستثمر فيها الشركات، وإلي أي مدى يعني الاستثمار في التكنولوجيا مزيدا من النجاح.
تربط الدكتورة ماري كريج أستاذة التقنيات الحديثة في جامعة كامبريدج بين التكنولوجيا والخبرات المتاحة لاستخدامها.
وتقول لـ"الاقتصادية": إن "ما يجب مراعاته دائما هو التكلفة الحقيقية للاستثمار، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة يعد الأكثر تعقيدا عند حساب التكلفة الحقيقية، إذ تتداخل عديد من العوامل عند إعداد الجداول المحاسبية، والتحدي الأساسي هو إيجاد طريقة لخفض التكاليف أو توفير الوقت".
لكنها تضيف "يجب أيضا أخذ العامل البشري في الحسبان أيضا، وإيجاد هذا التوازن بين عملية التحديث التقني ومعدلات التوظيف تتطلب نظرة ذات طابع استراتيجي تتسم بالشمولية، فعملية تحديث الشركات لا يجب أن تكون على حساب رفع معدلات البطالة في المجتمع".
على أي حال، وتيرة التغير في عالم اليوم تعني أنه لا يمكن اعتبار أي استثمار في التكنولوجيا الجديدة بمنزلة استثمار لمرة واحدة، فعليا ينظر إلى أي استثمار تقوم به شركة ما أو مؤسسة على أنه بداية لبرنامج جديد ومتجدد ومتواصل من التطوير والتحديث. ومن الأهمية دائما طرح الأسئلة للتأكد من أن الاستثمار في التكنولوجيا أو التكنولوجيا الملائمة سيكون ضروريا ومربحا للأعمال.
يأتي ذلك في وقت تجاوزت فيه الاستثمارات في شركات التكنولوجيا الأوروبية هذا العام لأول مرة حاجز الـ100 مليار دولار، وذلك وفقا لحسابات خبراء القطاع.
وخلال تقديمها للتقرير السنوي للقطاع، قالت شركة اتوميكو لاستثمارات رأس المال أمس: إن " هذا العام هو العام الذي كشف فيه النظام الأيكولوجي التكنولوجي عن إمكاناته الحقيقية".
كانت الاستثمارات في القطاع في العام الماضي ركدت عند نحو 40 مليار دولار.
وحسب التقرير، فقد زادت عدد جولات التمويل على نحو ملحوظ حيث أشار إلى حصول شركات تكنولوجيا أوروبية في 57 جولة على أكثر من 250 مليون دولار من مستثمرين مقابل 11 جولة فقط في .2020 وكانت أكبر جولة تمويل من نصيب شركة نورثفولت السويدية المتخصصة في تكنولوجيا البطاريات للسيارات الكهربائية والتي حصلت على 2.75 مليار دولار.
وقال فيماير: إن وباء كورونا أعطى دفعة إضافية للقطاع "إذ إن الجائحة سرعت وتيرة استخدام التكنولوجيا بشكل كبير"، ولاسيما بالنسبة لبرامج أعمال الشركات وقطاع المستهلك في التجارة عبر الإنترنت وتوصيل الأغذية، بحسب "الألمانية".
وذكر التقرير أن أحد الآثار الجانبية لزيادة العمل من المنزل خلال أزمة كورونا تمثل في التغير الجذري للطريقة التي تتم بها إنشاء شركات التكنولوجيا مشيرا إلى أن المؤسسين لم يعودوا يولون أهمية كبيرة للقرب المكاني للشركة من الموظفين، الأمر الذي تزايد عدد الشركات التي تم إنشاؤها خارج المراكز الكبيرة للشركات الأوروبية الناشئة مثل لندن وباريس وبرلين.
كما تشير أحدث النتائج المالية الفصلية إلى استمرار نمو إنفاق البنوك على التكنولوجيا الجديدة، دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة مقابلة في الأرباح، بل إنها قد تتحول إلى أموال مهدرة إذا لم يحدث تغيير جذري في طريقة استخدام البنوك للتكنولوجيا الجديدة.
ويرى بن آشبي المصرفي الأمريكي البارز في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء، أن أغلبية البنوك تتبنى استراتيجية خطأ وهيكلا خطأ، مع تراكمات كبيرة من الممارسات القديمة التي تعرقل تطور التكنولوجيا الجديدة المفيدة. لذلك كثير من البنوك تكرر خطأ شركات الاتصالات العملاقة نفسه في الجيل السابق، عندما أنفقت الأخيرة مبالغ ضخمة على إقامة بنية تحتية، ثم جاء قادمون جدد إلى السوق ليجنوا هم المكاسب وتتكبد تلك الشركات خسائر كبيرة.
في الوقت نفسه، يقول آشبي الشريك في شركة جود جفرنينس كابيتال للاستثمار المالي: إن بعضا من الأخطاء ليست مسؤولية العاملين في القطاع المصرفي، نظرا لأن القدر الضخم من القواعد التنظيمية في القطاع يجعل من الصعب عليه تطوير وتطبيق استراتيجية جديدة ومميزة.
كما أن كثيرا من البنوك الكبرى يبدو أنها استسلمت للأمر الواقع ولم تعد تقدم سوى القليل من استراتيجيات جذب العملاء المميزين، والمنافسة بشكل عام، مع التركيز على محاولة خفض النفقات. وأدى التركيز على خفض النفقات إلى رحيل كثير من المواهب والمهارات عن هذه البنوك لمصلحة كيانات جديدة ناشئة، وبحسب دراسة أعدتها شركة ماكينزي للاستشارات الإدارية، فإن 70 في المائة، من مشاريع التحول الرقمي في القطاع المصرفي العالمي فشلت.
ولكي تستفيد فعليا من تطبيقات التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، تحتاج المؤسسات المالية التقليدية إلى تبني استراتيجية "الرقمنة أولا". لكن ما معنى هذا الشعار؟ يقول آشبي الذي عمل سابقا مديرا إداريا لإدارة الاستثمار والخزينة في بنك جيه.بي مورجان تشيس الأمريكي: إن استراتيجية "الرقمنة أولا" أمر معقد وتتنوع في الأسواق المختلفة. فبالنسبة للتجزئة المصرفية يمكن أن تعني إمكانية تواصل العملاء مع البنوك من خلال هواتفهم الذكية، وبالنسبة للمؤسسات العميلة يمكن أن تعني المساعدة على تطبيق معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وتحليل الاستثمارات أو التحوط المعقد لتلبية احتياجات محددة لهذه المؤسسات.
من ناحية أخرى، فإن التحول التكنولوجي الحقيقي للبنوك والمؤسسات المالية يصطدم بمجموعة كبيرة من العقبات في مقدمتها الطبيعة المنظمة والصارمة للبنوك، وصعوبة إعادة هندسة الهياكل التشغيلية لها بما يتناسب مع الوقائع الجديدة لعصر التكنولوجيا. كما أن الثقافة المؤسسة تقاوم مثل هذا التغيير. وتختلف مهارات البيع أو الإقراض المطلوبة لتشغيل شركة تعتمد على التكنولوجيا، تماما عن تلك الموجودة في البنوك التقليدية.
ففي أستراليا ظلت مجموعة كومنولث بنك تستخدم الأشرطة الممغنطة لتخزين البيانات الأساسية للعملاء حتى 2016 والبيانات المخزنة على هذه الوسائل القديمة ليست "قيمة" من الناحية العملية وتحتاج إلى جهد كبير حتى يتم تحويلها إلى شيء مفيد. ويصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة عندما يكون البنك نتاج مجموعة من صفقات الاندماج ولديه تراث من المعايير المتباينة التي يجب التعامل معها. كل هذا يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوقت والنفقات، وتقليل قيمة المؤسسة.
في الوقت نفسه، فإن البنوك التقليدية ذات القواعد التنظيمية الصارمة تواجه صعوبة كبيرة في استقطاب المواهب والمهارات في مجال التكنولوجيا، التي يصعب إقناعها بالعمل في هيكل إداري جامد ويخضع للتراتبية الوظيفية بصورة كبيرة ويركز على خفض النفقات وحذر للغاية. في مواجهة هذه الحقائق لجأت البنوك الكبرى إلى شراء ما يعرف باسم شركات "التكنولوجيا المالية" على أمل دمجها في الهيكل التقليدي القائم لها. لكن محاولة دمج التكنولوجيا الخارجية التي تظهر كفكرة لاحقة، مع الحاجة إلى تغيير جوهري في التشغيل لتعظيم صفقة الاستحواذ تعني أن كثيرا من هذه الصفقات تنتهي بالفشل.
وأخيرا يرى بن آشبي أن الخطر الأكبر الذي يهدد البنوك العالمية قد يأتي من بعض شركات التكنولوجيا العملاقة مثل: فيسبوك وتويتر وأبل. فهذه الشركات لديها المهاترات والتكنولوجيا ولديها في الأغلب علاقات أوثق مع عملائها. كما أن هذه الشركات تحتاج إلى التوسع في مجالات جديدة مثل مجال الخدمات المالية لكي تبرر الارتفاع المستمر في أسعار أسهمها في البورصة.
وقد بدأنا نرى بالفعل دخول تلك الشركات إلى عالم الخدمات المالية من خلال "فيسبوك باي" و"تويتر تيبس"، وكثير من ذلك قادم في الطريق، وبالتالي فإنه على البنوك الكبرى إعادة التفكير في نماذج عملها بشكل جذري قبل فوات الأوان.
وفي نهاية 2020، حذر عضو في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، من أن العملات المشفرة التي تتبع شركات تكنولوجيا عالمية عملاقة على غرار "فيسبوك" قد تقوض المنظومة المالية الأوروبية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية