Author

العميل ليس دائما على حق

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تكمن أهمية متابعة احتياجات العملاء ومعرفة توجهاتهم الدورية وأماكن وجودهم من خلال مواكبة الشركات والمنظمات محاور التغيير، وكان مقالنا السابق يتحدث عن مدى مرونة المنظمات من أجل إيجاد تجارب العملاء. ونكاد نجزم أن عبارة "الزبون دائما على حق" أو "العميل دائما على حق" عبارة مألوفة ترددت وسمعت كثيرا من قبل، خصوصا في المجالات القضائية أو ذات الخصام أو حفظ الحقوق بين الشركة والعميل. إن هذه العبارة سبق أن روج لها هاري جوردون سلفريدج؛ مؤسس متجر سيلفريدجز في لندن، في أوائل القرن الـ 20، حيث دعا إلى التعامل مع شكاوى العملاء بجدية حتى لا يشعروا بأنهم خدعوا، ومنها نصبت راية رفع الوعي لدى العميل لمعرفة حقوقه وانتقل مداها وحجم تأثيرها إلى صناعات كثيرة، مثل التجزئة والفندقة والطيران المدني وغيرها. عندما يدرك العميل أنه على حق - بغض النظر عن ممارساته - فهي تغرس الإحساس لديه بالجودة، كما يدعي عراب العبارة. ولم تكن فكرة العبارة محصورة في جودة العمل فحسب؛ لكن بمنزلة دفع الموظفين إلى اتخاذ قرارات من شأنها أن تبني جسور الولاء والثقة مع العملاء، حتى لو كان على حساب الشركة أو المنظمة ذاتها في سبيل رضا العملاء. لكن يا ترى هل ما زالت هذه الأيديولوجية التي تتمحور حول إرضاء كل العملاء قائمة أم عفا عليها الزمن الآن ولم تعد ذات صلة؟ دعونا نفترض أن العميل يريد استردادا بنسبة 100 في المائة على كرسي أريكة بقيمة 500 ريال؛ نظرا لأنه غير مريح. ألن تكون الراحة شيئا نسبيا؟ وهل هذا العميل على حق؟ قد يتطلع العميل ببساطة إلى استرداد القيمة المالية والحفاظ على الكرسي مجانا؛ نظرا لأن بعض بائعي الأثاث لن يطلبوا من العميل إعادة الكرسي. وبعض العملاء لديه مشكلة شخصية مع الشركة نفسها ويعتقد أنه على حق، ما يصعب إرضاؤه، مع العلم أن بعض العملاء قد يطلبون من الشركة مطالب يستحيل تلبيتها. وفي الواقع قد تكون العبارة عقبة في طريق خدمة عملاء استثنائية حقا، وقد يبدو غريبا بعض الشيء، لكن هناك أسباب وجيهة تدعو إلى التخلي عن هذه العبارة أو الشعار الذي يعود إلى قرن من الزمان، وأن هذه العبارة الجذابة التي روج لها هاري جوردون سلفريدج غير صحيحة.
فمن الأسباب أن بعض العملاء مخطئون، ومجرد القول: إن العميل على حق دائما لا يجعل الأمر كذلك. في بعض الأحيان يكون العملاء مخطئين لكن يحتاج الموظف إلى معرفة كيفية التعامل معهم وفقا لذلك. ومنها أن وجود شعار "العميل على حق" في مكانه هو في الواقع أسوأ بكثير إلى فريق خدمة العملاء. تلعب ظروف العمل وثقافة الشركة دورا رئيسا في إسعاد الموظفين وإنتاجيتهم وكفاءتهم وهذه العبارة ليست دائما في مصلحة خدمة العملاء. إن هذه العبارة قد تترك تأثيرا سلبيا في الروح المعنوية لفريق خدمة العملاء لأنها توحي أن الشركة قد لا تدعم الموظفين. فمن العملاء من يتميز بالوقاحة في التواصل والجموح مع فريق دعم العملاء ومن الصعب إدارتهم والتعامل معهم. بالفعل يجب على الموظفين تحمل إساءة معاملة العملاء لكن دون دعم من الإدارة إلى العملاء. ومن الأسباب أن ليس كل العملاء يستحقون إرضاءهم والاحتفاظ بهم لأن وجود العملاء الجامحين والوقحين عند ممارسة الأعمال التجارية لا مفر منه، لكن لا يعني مواصلة التعامل معهم أو الاحتفاظ بهم، بما في ذلك أولئك الذين غالبا ما يكونون غير منطقيين، أو يغلب عليهم التأخير في الممارسات المالية بالوقت المحدد، أو يناقش بأدق التفاصيل غير الضرورية ما يستغرق كثيرا من الوقت الثمين. ويجب أن نعلم أن من المستحيل إرضاء الجميع، ولذلك تقوم العبارة "العميل دائما على حق" على افتراض أن بالإمكان إرضاء كل عميل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وهذا مستحيل، حتى إن أكبر العلامات التجارية وأكثرها نجاحا لا تحتفظ بكل العملاء ولا تحاول ذلك. يقول كيفن كيلي، المحرر التنفيذي المؤسس لمجلة Wired: "كي تكون صاحب محتوى ناجح، فأنت لست بحاجة إلى الملايين، ولست بحاجة إلى ملايين الدولارات أو ملايين العملاء أو ملايين المعجبين. ولكسب لقمة العيش بصفتك حرفيا، أو مصورا أو موسيقيا أو مصمما أو مؤلفا أو رساما متحركا أو صانع تطبيقات أو رائد أعمال أو مخترعا، فأنت تحتاج فقط إلى آلاف المعجبين الحقيقيين". بمعنى آخر: إرضاء الجميع نموذج غير صحيح عمليا. وإذا كانت الشركة تطمح إلى أن يكون منتجها أو خدمتها في أيدي الجميع، فليس لديها جمهور مستهدف يسوقون له، وبالتالي لا توجد خطة تسويق واقعية.
ورغم ما ذكر آنفا، تظل النقطة الأساسية التي يجب مراعاتها هي أن عبارة "العميل دائما على حق" يجب أن تعيش في أذهان العملاء أنفسهم فقط وعدم الاختلاف معهم في تفاصيل الأمور. وعليه، تقوم خدمة العملاء على عدم التركيز على السلبيات ولا حتى ذكر كلمة "لا"، لكن توجيه الاهتمام نحو الجانب الإيجابي على ما يمكنه فعله لمساعدة العميل. أخيرا، لا تزال هذه العبارة "العميل دائما على حق" وغيرها من العبارات التجارية التي تعود إلى قرون مضت جزءا لا يتجزأ من عقليات بعض رواد الأعمال أو أصحاب التجارة؛ ما يجعلها عقبة في سير العمل اليومي. وقد يبدو بعضها منطقيا من جهة، لكنها مجحفة من جهة أخرى. إن الإيمان بفكرة "العميل دائما على حق" مضرة للعمل لأنها تمنح التمكين للعملاء الوقحين، وتقود إلى صنع تجارب غير سارة للعملاء الآخرين. ولذلك فمن أجل تعاظم نمو الشركة ونجاحها، فلا بأس أن يكون بعض العملاء على خطأ.

إنشرها