Author

صناعة البيانات .. ابتكارات وتشريعات

|

شهدت صناعة البيانات الكبيرة تطورا ملحوظا في الأعوام الماضية، حيث تتمتع بنمو مستمر على الساحة الصينية، مثلما هو الأمر في دول متقدمة، وعدد متزايد من الدول النامية، ولا سيما التي تشهد قفزات لافتة على صعيد التنمية في كل القطاعات. وكان مفهوم البيانات الكبيرة موجودا منذ أعوام عديدة. وتغلغلت ودخلت في جميع الجوانب من وجهات نظر متعددة مثل التكنولوجيا ورأس المال وقطاعات أخرى. وفي المستقبل، ستصبح جزءا مهما بشكل متزايد من العوامل الدافعة اقتصاديا وستؤثر في تطوير الصناعات والمؤسسات والأفراد.
ومع توسع نطاق الذكاء الاصطناعي، صار قطاع البيانات الكبيرة محوريا في هذه الصناعة. ولأن الأمر كذلك، أصبح هذا الميدان ساحة للمنافسة بين المؤسسات الكبرى والمتوسطة حتى الصغيرة منها، بل أصبح ميدانا تنافسيا بين الدول خصوصا التي تتقارب من حيث القدرات في هذا المجال. والمسألة لا تتعلق فقط بمدى اتساع رقعة البيانات وضمها قطاعات مختلفة، بل تشمل أيضا وبصورة أساسية عملية تطويرها. فما يصلح اليوم منها ربما لن يكون ذا قيمة غدا. ولذلك، فإن البيانات ليست إلا عالما معقدا يخضع مباشرة لحتمية التطوير المتنوع، بصرف النظر عن ماهيته.
وحققت الصين بالفعل قفزات نوعية في هذا القطاع. فمن المتوقع، وفق وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في بكين أن يتجاوز حجم صناعة البيانات الكبيرة بنهاية عام 2025 نحو 470 مليار دولار، مع معدل نمو مركب بنحو 25 في المائة. وهذه نسبة كبيرة للغاية عند مقارنتها بمثيلاتها في الدول الأخرى، ورغم هذا التطور، إلا أن الساحة الصينية لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير.
فالمسألة تتطلب التدخل التشريعي والوعي من أجل تدعيم هذه الصناعة التي ستصبح في المستقبل رافدا أساسيا من روافد الاقتصاد المحلي. ولذلك، فإن الخطة التنموية الجديدة تتضمن إنشاء آلية تسعير موجهة نحو السوق للبيانات كعنصر رئيس للإنتاج. وإلى جانب ذلك ستعمل الهيئات التشريعية المشرفة على القطاع، من أجل رفع الوعي الاجتماعي بالبيانات الكبيرة، مع تحفيز الخدمات والمنتجات المتقدمة التي تستند إليها عموما.
والنقطة المهمة في هذا المجال أن الحكومة الصينية تستهدف تطوير أكثر من مليون تطبيق صناعي بحلول منتصف العقد الحالي، بما يشمل كل القطاعات ذات الصلة، من بينها التمويل والبناء. والقطاعان مرتبطان بقوة في السوق المحلية. لكن في النهاية، ستكون صناعة البيانات الكبيرة فيها وغيرها من الدول التي تتمتع بحراك اقتصادي متطور ومتوسع بما يحاكي التحولات التقنية والمعلوماتية محورا رئيسا للنمو الاقتصادي العام قبل نهاية العقد الجاري.
فهذا القطاع يتميز بالتطور المتلاحق، ودون هذا التطور الذي يعزز التمكين، لا قيمة عملية لأي معلومات فاعلة اقتصاديا واستثماريا وتنمويا. ويبدو واضحا، أن الصين لم تدخل مسار التطوير هذا، عبر تشريعات جديدة أو متطورة فقط، بل قامت بذلك من خلال اتخاذ تدابير دعم الشركات في قطاع البيانات الكبيرة. فالسلطات تهدف - بحسب المسؤولين - إلى تنمية أكثر من 100 شركة، بإيرادات تشغيلية تصل إلى أكثر من 1.5 مليار دولار بحلول عام 2025.
والتوجه الصيني في هذا المجال لا ينحصر فقط بالساحة المحلية، فبكين تستهدف بصورة واضحة بناء مجتمعات مفتوحة المصدر ذات تأثير دولي، مع تحسين آلية تسعير البرمجيات. وكل هذا يصب في الهدف الرئيس، وهو تحويل صناعة البيانات إلى قطاع مؤثر دوليا، ومنتج على الساحة المحلية، مع ضرورة الإشارة إلى أن التنافسية العالمية في هذه الساحة تحتدم بقوة، خصوصا مع الدول الغربية المتقدمة، التي تسعى لأن تكون مسيطرة دائما على قطاع يحقق نموا واضحا، ويتكرس كرافد أول للاقتصاد الجديد المتوالد والمنتج عبر الابتكارات المستمرة.

إنشرها