Author

التلوث الكبير وتجاهل الخطر

|

واجه العالم خلال الفترة الأخيرة وما زال تحديات صعبة تجاه قضايا تلوث بيئية مختلفة ومتشعبة، نتيجة استخدام المواد البلاستيكية بشكل واسع في الحياة اليومية، ما دعا الكثير من الدول إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من استخدامه ووضعت خطط مراحلية لمنع استخدامه نهائيا وصدر العديد من الدراسات التي تتناول الأضرار السلبية لهذه المادة.
وأكدت دراسات وبحوث علمية أن تلوث البحار والبيئة بالبلاستيك يهدد سلامة الأغذية وجودتها، وصحة الإنسان، والسياحة البحرية كما يسهم في تغير المناخ، ولكن المواد البديلة للبلاستيك لا تقل خطورة على البيئة. وحذر خبراء وفق هذه الدراسات من أن القلق حول التلوث البيئي الذي تحدثه النفايات البلاستيكية يسرق الضوء من القضايا البيئية الأهم والأكثر تأثيرا في حياة البشر مثل فقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ.
ويسبب التلوث الناتج عن المواد البلاستيكية المتنوعة أضرارا عديدة في جميع الأنظمة البيئية ومكوناتها، وتشمل المواد البلاستيكية: المخلفات والقمامة الناتجة عن الأنشطة البشرية والمنزلية التي يتم إلقاؤها في المسطحات المائية، وجسيمات البلاستيك الدقيقة الملقاة في المحيطات، إضافة إلى شبكات الصيد البلاستيكية، وغيرها.
وفي هذا الصدد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطة التنمية المستدامة لـ2030، الهدف الإنمائي الذي تسعى من خلاله إلى "الوقاية والحد بشكل كبير من التلوث بجميع أنواعه، ولا سيما من الأنشطة البرية، بما في ذلك الحطام البحري وتلوث المغذيات"، وذلك بحلول 2025.
ومع ذلك فإن القلق كان واضحا في الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي حمل عنوان "المستقبل الذي نصبو إليه"، الذي عقد في العام الماضي من أن المحيطات والتنوع البيولوجي البحري لم تزل تتأثر سلبا بالتلوث البحري خاصة القمامة البحرية التي يعد البلاستيك أكثر مكوناتها، ويعد البلاستيك أكبر الملوثات الكربونية، ومع ذلك غالبا ما يتم تجاهله ويتم غض النظر عن آثاره وافتعال قضايا أخرى ذات تأثير أقل وطأة، مع التركيز الواسع النطاق على الفحم، خاصة خلال 2019 و2020 فقد انخفض التلوث الكربوني المنسوب إليه بمقدار 166 مليون طن، لكن الأدلة تتجمع بشأن ارتفاع مستوى التلوث الناتج عن البلاستيك، وهذا ما يقوض الوصول إلى الهدف العالمي بشأن صافي تلوث الكربون بحلول 2050.
في هذا الشأن أصدرت الأمم المتحدة تقريرا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 2021 موضوع العدالة البيئية وأثر القمامة البحرية والتلوث البلاستيكي وضرورة الاعتراف بالمجتمعات المتضررة من النفايات البلاستيكية، فالولايات المتحدة أكبر مساهم في المخلفات البلاستيكية في العالم وسجلت أرقاما كبيرة وهذا بالفعل يشكل خطرا في دولة تعد الأولى اقتصاديا على مستوى العالم، ودعا تقرير مقدم للحكومة الفيدرالية إلى استراتيجية وطنية لمعالجة الأزمة المتنامية، فقد أسهمت الولايات المتحدة وحدها بنحو 42 مليون طن متري من المخلفات البلاستيكية في 2016، أي أكثر من ضعف ما أسهمت فيه الصين ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وفي المتوسط، ينتج كل أمريكي 130 كيلوجراما من المخلفات البلاستيكية سنويا، فيما تأتي بريطانيا ثانية بمعدل 99 كيلوجراما للفرد سنويا وكوريا الجنوبية ثالثة بمعدل 88 كيلوجراما للفرد في العام، وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع توقعات أن يصدر إنتاج البلاستيك 55 مليون طن أخرى بحلول 2025، إذا تم تشغيل 42 مصنعا مخططا لها حاليا أو قيد الإنشاء.
فالعدالة البيئية كما يفسرها التقرير الخاص ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر في 2021 تعني ضرورة الاعتراف بحقوق المجتمعات المتضررة من النفايات البلاستيكية وأن المخلفات البلاستيكية تمثل "أزمة بيئية واجتماعية" بما تؤثر به في المجتمعات وبما تلقي به من أعباء اقتصادية مزعجة على هذه المجتمعات، هذا الأثر الاجتماعي وصفه تقرير الأمم المتحدة بالظلم البيئي، لأنه يهدد سبل عيش أولئك الذين يعتمدون على الموارد البحرية في العمل، بل يؤدي أيضا إلى مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية للأشخاص الذين يستهلكون المأكولات البحرية الموبوءة بالمواد البلاستيكية الدقيقة والنانوية السامة، ومع انتشار جائحة كورونا فإن هذه المشكلة تزداد تعقيدا.
وتبنت الأمم المتحدة في 2016 قرارات لتشجع الحكومات على جميع المستويات على زيادة تطوير الشراكات مع الصناعة والمجتمع المدني وكذلك بين القطاعين العام والخاص لدعم البدائل الصديقة للبيئة في التغليف البلاستيكي وتبني إجراءات لزيادة الوعي بالمصادر والآثار السلبية والتدابير الممكنة للحد من النفايات البلاستيكية وخاصة البحرية والجسيمات البلاستيكية الدقيقة، كما تقرر العمل من ذلك الحين بمراقبة وتخفيف معدات الصيد المتروكة أو المفقودة أو المهملة وتنظيفها.
وطبقا لتقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا بهذا الخصوص أكد رئيس وكالة حماية البيئة السابقة في الولايات المتحدة أن هناك تأثيرا مدمرا لصناعة البلاستيك لا يقف عند حد التأثير البيئي والبحري الواضح، لكنه يمتد للتأثير في المناخ، وهذا التأثير في المناخ لا يجد الكثير من الاهتمام والمساءلة فعلى عكس الكربون الأسود، فإن البلاستيك ليس مادة واحدة بل يتكون من مئات المواد ويشمل العديد من البوليمرات المختلفة، إضافة إلى المواد الكيميائية والأصباغ المضافة إليها، كما تأتي جزيئات البلاستيك الدقيقة أيضا في مجموعة واسعة من الأحجام والأشكال.
وأشارت عدة دراسات متخصصة إلى أن للمواد البلاستيكية الدقيقة الموجودة في نفايات الألياف الصناعية والنفايات البلاستيكية الأخرى أثرا في مناخ الأرض من خلال تفتتها إلى قطع أصغر عند تعرضها لأشعة الشمس والرياح والأمطار والظروف البيئية الأخرى. واكتشف العلماء خلال الأعوام الأخيرة جزيئات بلاستيكية دقيقة في قمم الجبال النائية في القطب الشمالي. البعض منهم يؤكد أن وجود هذه الجزيئات في الهواء يؤثر في درجات الحرارة على سطح الأرض، وأن من بين أهم تأثيراتها تشتت الإشعاع بما يؤدي إلى تفاوت في درجات الحرارة وحدوث تقلبات مناخية مختلفة.

إنشرها