Author

النمو والإغلاق وعدم اليقين

|

لا يزال التعافي الاقتصادي العالمي جاريا، في وقت تشهد فيه الجائحة موجة عدوى جديدة ومتحورات متنوعة من فترة زمنية إلى أخرى. ويبدو أن التصدعات التي أحدثها مرض كوفيد - 19 ستستمر لمدة أطول - فمن المتوقع أن تترك مظاهر التباعد بصمات دائمة على الأداء متوسط الأجل.

وتمثل إتاحة اللقاحات والدعم المبكر الذي تقدمه السياسات المحركين الأساسيين وراء الفجوات. وهناك مخاوف على تعافي الاقتصاد العالمي لأسباب عديدة.


وهذه المخاوف حاضرة على الساحة بصورة أو بأخرى، حتى لو أزحنا بعض تأثيرات متحورات فيروس كوفيد - 19 عنها، إذ إن عملية التعافي أو العودة إلى النمو الضروري، تمر بمرحلة حساسة، خصوصا في العام الجاري الذي تلا "عام الجائحة".

والنمو ظهر في كل الساحات حول العالم بالفعل، وتماسكت المسارات الاقتصادية، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، وانتشرت الآمال في عام مقبل يستعيد الاقتصاد العالمي فيه عافيته القوية، أو على الأقل يعود إلى وضعيته التي سبقت الوباء. حتى إن الاتفاقيات التجارية الثنائية وبين الكيانات المختلفة، شهدت هذا العام هي ذاتها نموا ملحوظا. وبخروج دونالد ترمب من البيت الأبيض مطلع العام الحالي، خف التوتر الاقتصادي بين الدول المؤثرة في الساحة الدولية، وإن بقي واضحا بين الولايات المتحدة والصين.


ورغم كل هذا وذاك، فإن المخاوف لا تزال موجودة بشأن استدامة النمو أو التعافي في العام المقبل. فالأسباب معروفة حتى قبل انفجار كورونا، من بينها المشكلات التي تواجه سلاسل الإمدادات، بما في ذلك السلع المحورية في الصناعة "مثل الرقائق وأشباه الموصلات وغيرهما"، فضلا عن التضخم الذي وصل في الولايات المتحدة، الشهر الماضي، إلى أعلى مستوياته القياسية منذ عشرات الأعوام، وفي الوقت نفسه، لا تزال الحكومات مترددة في رفع الفائدة بعض الشيء للحد من التضخم، على اعتبار أن ذلك سيحد من الحراك الاقتصادي الذي تتطلبه مرحلة التعافي.

هذه من الأسباب الكامنة وراء الشك بمستقبل التعافي العالمي، تضاف إليها عوامل أخرى مرتبطة بأشكال مختلفة بمتحورات كورونا التي يعد آخرها "أوميكرون" الأقوى بينها.


ولا شك في أن عودة العالم للإغلاق، أو فرض قيود على الحركة والحراك في هذا الوقت بالذات، "سيستهلك" النمو الذي تحقق بالفعل في العام الحالي. والعالم لا يحتمل حقا إغلاقا جديدا. يضاف إلى ذلك التفاوت الواضح في التعافي بين منطقة وأخرى، بل بين دولة وأخرى. وأن يعود خصوصا إلى قدرة الدول الغنية على الوصول السريع للقاحات المختلفة.

ففي الوقت الذي وصلت فيه نسبة الملقحين "مثلا" في الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 55 في المائة، لم تصل في القارة الإفريقية إلى 2.5 في المائة. لكن حتى الدول الغنية تواجه شكوكا في مسألة التعافي الاقتصادي في العام المقبل، من جراء مشكلة "الإمدادات" التي يبدو أنها لن تنتهي قريبا، وارتفاع التضخم، وإمكانية الاضطرار إلى العودة للإغلاق الاقتصادي في الفترة المقبلة.


يواجه العالم اليوم موجة وبائية خامسة في غضون عامين، وهناك اختلاف بين موجة وأخرى من حيث التأثير والخطر.

وضحايا هذا الوباء على مستوى العالم خمسة ملايين شخص، وإذا لم تكن السيطرة على أي متحور للفيروس محكمة، فإن الآثار الاقتصادية له ستكون سيئة. فوكالة التصنيف العالمية "موديز"، أكدت أن كوفيد - 19 سيظل يشكل تهديدا، وأن هذا التهديد سيكون مختلفا بين دولة وأخرى، وهو مرتبط في النهاية بمستوى أعداد السكان الذين تلقوا اللقاحات المطلوبة، ولا سيما أن الحديث يجري حاليا عن ضرورة الحصول على الجرعات المعززة، لتحصين الناس من أي موجة أخرى لكورونا.

الصورة ليست براقة كثيرا. فصندوق النقد الدولي توقع أن تفشل معظم الدول الناشئة والنامية في تحقيق مستويات النمو التي وضعتها قبل انفجار كورونا.

ولا سيما أن بعضا من هذه الدول اضطر أخيرا إلى رفع الفائدة لمواجهة التضخم، ما خفض تسارع النمو فيها. سيكون هناك انتعاش في العام المقبل، لكنه سيتباطأ في بعض الدول، ويتوقف في بعضها الآخر نهائيا، خصوصا التي لم تسيطر بعد على ساحتها من "الجبهة" الصحية.

إنشرها