Author

تحصين النمو من «أوميكرون»

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"علينا أن نتحصن من المتحور الجديد أوميكرون"
بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا
تلقت الأسواق العالمية في الأيام الماضية، إشارات سلبية من إمكانية انتشار متحور فيروس كوفيد - 19 الجديد "أوميكرون". وهذا أمر طبيعي، ولا سيما في ظل مسيرة التعافي الاقتصادي الحالية. إلا أن ذلك لا يعني أن هذا المتحور يمكن أن يدفع العالم لاتخاذ إجراءات مقيدة مشابهة لتلك التي اتخذها العام الماضي، أو عام الجائحة. فالبشرية عرفت التعامل مع الأوبئة على مدى عامين متتاليين تقريبا، صحيح أنها واجهت كوفيد ببعض الاضطراب منذ البداية، إلا أنها سرعان ما عرفت الأدوات الكفيلة لإتمام مواجهة تصب في مصلحة البشر ومستقبلهم. دون أن ننسى بالطبع التعاون الدولي الكبير في هذا المجال، والخطوات القوية الداعمة له، خصوصا من جانب "مجموعة العشرين" التي أسرعت بطرح المبادرات المطلوبة والمتنوعة في الميادين الاجتماعية والصحية والاقتصادية.
لكن تجربة العالم في مواجهة وباء كورونا التي لم تنته بعد، ينبغي ألا تقلل من التهديد الجديد لـ"أوميكرون". فالخبراء يتحدثون عن قوته التي تفوق قوة الفيروس الأصلي والمتحور "دلتا" الذي ظهر مطلع العام الجاري، لكنه انتهى بأقل خسائر ممكنة. وهناك قاعدة لا بد أن نتذكرها في هذا المجال، وهي أن الخبراء والمسؤولين حول العالم يبالغون بعض الشيء في الموضوعات التي تتعلق بالأوبئة والأمراض من أجل دفع الناس إلى الوقاية، واتخاذ الإجراءات اللازمة، واتباع الإرشادات الرسمية. بمعنى آخر، قد يكون "أوميكرون" متحورا عابرا، حتى ولو كان قويا، علما بأن المتحورات الناجمة عن الأوبئة تأتي ضمن سياق طبيعي، في ساحات معينة وأوقات محددة. وبصرف النظر عن هذا الجانب، فإن أي انتشار للمتحور الجديد، سيضرب بصورة أو أخرى عملية التعافي الاقتصادي التي بدأت بالفعل قبل أشهر.
في العام الجاري، حقق الاقتصاد العالمي نموا جديا، وهناك مناطق سجلت نموا مرتفعا للغاية. وهذا الارتفاع أيضا يدخل ضمن السياق الطبيعي، لأن جزءا كبيرا منه، هو في الواقع بمنزلة تعويض للخسائر التي مني بها الاقتصاد في عام الجائحة. وارتفاع هذا النمو سيقابله ارتفاع له في العام المقبل لكن بنسب أقل، ضمن القراءات الأكثر جدية وتركيزا. بالطبع تأثرت أسهم شركات الطيران والسياحة سلبا في أعقاب الإعلان عن ظهور "أوميكرون"، أو بعد فرض قيود من بعض الدول على بعض الدول على صعيد السفر منها وإليها. وهذا القطاع كان أول ضحايا وباء كورونا عند انفجاره مطلع الربع الأول من العام الماضي. والحق أن أسواق الأسهم والأوراق المالية تراجعت بصورة جماعية في نهاية الأسبوع الماضي، في حراك متوقع بالطبع. وعلى صعيد السوق النفطية انخفض سعر البترول ما يقرب من 10 في المائة، والأسباب معروفة أيضا، وتتركز في المخاوف من تراجع الطلب، إذا ما عادت القيود مجددا إلى الساحة.
الشيء الأهم على الساحة الاقتصادية الآن، يبقى دائما المحافظة قدر المستطاع على معدلات النمو، وصيانة وحماية مسيرة التعافي. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا عبر استمرار الحراك الاقتصادي والاجتماعي بالشكل الذي يسير عليه حاليا، رغم بعض القيود المفروضة هنا وهناك لأسباب تتعلق بمسائل محلية خاصة. الأنباء التي تتحدث عن "أوميكرون" مقلقة، لكن علينا ألا ننسى أن المتحورات السابقة كانت مقلقة أيضا، إلا أن العالم تجاوزها في فترات زمنية ليست طويلة، وحافظ بدرجات متفاوتة على وتيرة الأداء الاقتصادي الهشة. فأغلب المناطق في العالم لم تتأثر بقوة "مثلا" من متحور دلتا الذي سرعان ما اختفى، بينما استمر حراك التعافي، أيضا بأشكال مختلفة لكنها إيجابية كلها. ولا شك أن خبرات التعاطي مع الوباء ومتحوراته ستكون حاضرة في الفترة المتبقية من العام الحالي، ما يسهم في التقليل من آثار "أوميكرون".
ستتأثر الأسواق بكل ميادينها سلبا مع أي سلالة جديدة لكورونا، كما أن الحكومات ستبقى على أهبة الاستعداد من أجل مواصلة دعم اقتصادات دولها، وستكون جاهزة لحزم إنقاذ جديدة، وهذه المرة ستذهب في مسار تعزيز النمو الذي بدأ بالفعل مطلع العام الجاري. لكن الأهم من كل هذا، يبقى التزام الناس بالتوجهات والإرشادات والقرارات الصحية. فقد أظهرت تجربة كورونا التي لم تنته بعد، أن تسيب بعض المجتمعات في بداية انفجار هذا الوباء، أدى إلى ارتفاع مذهل في عدد الإصابات والموتى، وإغلاق كامل أطول من الإغلاقات في المجتمعات التي التزمت منذ البداية بكل القرارات الهادفة لحماية الناس وتحصينهم، وتوفير الأرضية لدعم المسار الاقتصادي.
الاقتصاد العالمي لا يتحمل بالفعل ضربة جديدة، وربما لو كان في وضعية طبيعية لامتص أي أزمة أو أي مصيبة صحية قد تظهر. من هنا، تتحرك الحكومات حول العالم بسرعة فائقة لاحتواء المتحور الجديد، ليس فقط للحفاظ على حياة الناس وتقليل الخسائر البشرية المتوقعة، بل لصيانة مكتسبات النمو التي حققها في الأشهر القليلة الماضية، ولتمكين عملية التعافي التي بدأت آثارها تظهر بوضوح في كل القطاعات المكونة للاقتصاد.
إنشرها