Author

القروض والاستثمارات .. المخاوف مبررة

|

يحرص البنك المركزي الأوروبي، كغيره من البنوك المركزية في الدول المتقدمة، على أن يوفر التسهيلات اللازمة من القروض للمؤسسات والشركات في أعقاب الأزمة الاقتصادية، التي خلفتها جائحة كورونا على العالم أجمع. فالحكومات سعت خلال الفترة الحرجة إلى إنقاذ الشركات، من أجل مواصلة نشاطها الاقتصادي قدر المستطاع، حتى في ظل وجود قيود الإغلاق، التي أصابت هذه الساحة أو غيرها.
وهنا بدأت اليوم المخاوف تظهر في الميدان بشأن القروض عالية المخاطر، التي منحت خلال الفترة السابقة، حتى إن هناك مراقبين لا يستبعدون انفجارا محتملا في السوق الأوروبية، ولا سيما في منطقة اليورو، والمسألة لا تقلق الأوروبيين فقط، بينما تنسحب على بقية الاقتصادات المشابهة خارج هذا الكيان. ففي بريطانيا مثلا، ظهرت المخاوف بهذا الشأن، خصوصا مع قرار الحكومة وقف التسهيلات المالية التي منحتها خلال عام الجائحة.
بالطبع، أقدم المسؤولون على السياسة النقدية فورا لبحث إمكانية وضع سقف للمعاملات عالية المخاطر والناشئة حديثا، أو وضع حصة معينة من الميزانية لكل بنك. غير أن مثل هذه الخطوة لها انعكاساتها السلبية على الساحة المصرفية، ولا سيما أنه في إمكان البنوك، خصوصا الراسخة على الساحة، إثبات أنها تدير المخاطر بشكل ملائم. لكن هذه الخطوة لا تزال في بداياتها، وتتطلب مناقشات واسعة، ودراسة عميقة في أوضاع البنوك وقدراتها على مواصلة حراكها بالحد الأدنى من معايير الأمان. القروض عالية المخاطر ظهرت في الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تواجه أعلى موجة من التضخم غير مسبوقة، حتى إن مستثمرين طلبوا الحماية الحكومية من ارتفاعه.
لا ترغب المفوضية الأوروبية في اتخاذ أي إجراءات مقيدة للقروض، خصوصا إذا ما كانت الأوضاع تحت السيطرة أو ليست قريبة من الانفجار. ففي مرحلة التعافي الاقتصادي يتطلب الأمر مرونة في الاقتراض، وسهولة الوصول إلى الخدمات المالية الميسرة. ولذلك، فإن المشرعين في هذه المفوضية يعتقدون أنه في الإمكان الاعتماد على قواعد البيانات المركزية عن الأوضاع المالية للشركات والمؤسسات، التي تستقطب الاستثمارات، ورفد المستثمرين بالمعلومات اللازمة عن سلامة استثماراتهم، ومدى الاستدامة.
واللافت أن البيانات الخاصة بالشركات في الاتحاد الأوروبي لا تزال مجزأة، بل تعترف المفوضية بأنه يصعب على المستثمرين الوصول إليها. وهنا أرادت أن تعتمد قاعدة البيانات الشاملة وتوفيرها لمن يرغب فيها. وهذه النقطة خصوصا، تأتي ضمن التوجه التشريعي الجاري حاليا، بدمج أسواق المال بصورة أفضل ضمن الكيان، وتشجيع الاستثمار عبر حدوده.
حقيقة، إن الأمر يتطلب العمل السريع، ليس فقط لتوفير المعلومات اللازمة عن الشركات المستهدفة استثماريا، بل لمنح المستثمرين مساحة كبيرة ومحددة لمقارنة أسعار الأسهم والمنتجات المالية عموما بكل الأسواق في القارة أيضا.
بكل الأحوال، كان يجب أن يخطو الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة قبل أعوام، لتحسين المالية العامة على ساحاته المتعددة. فهناك مخاوف دائما من جانب المستثمرين في البلدان، التي تتمتع بمالية قوية، حيال دول القارة، التي لا تتسم بالقوة المالية، بينما تبلغ المخاطر مستويات مرتفعة، لكن تبقى مشكلة أساسية ومحورية بكل المقاييس، وهي تلك المرتبطة بالمساعي لفرض المعايير والقيود، بينما يصعب تسويقها بشمولية، وفق عدد من المسؤولين في المفوضية الأوروبية، إنها مسألة معقدة، لكنها باتت ضرورية، لتوفير الحماية اللازمة للمستثمرين، وضمان القروض "الصحية" لهذه الشركة أو تلك.

إنشرها