Author

وقفات مع النفس

|
لا يختلف اثنان أننا نعيش الآن في عصر طغى عليه مفهوم المادة بشكل كبير حتى ليكاد الإنسان أن ينسى نفسه وسط هذه الأمواج العاتية من الماديات. فما لم يتدارك الإنسان نفسه ويحاسبها على ما مضى وعلى ما هو آت فربما يجد نفسه وقد جرفه التيار العاتي، وحينها لن يكون بمقدوره إلا الاستسلام وتحمل النتائج الوخيمة.
محاسبة النفس أمر حث عليه الشارع، "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد".. الآية، وفي الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني". وقد أدرك الصحابة هذا الأمر جيدا فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يقول، "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا".
والحسن البصري يقول، "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته"، وميمون بن مهران يقول، "لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه". علماء التربية متفقون على أنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه فينظر هل أضاع وقته سدى؟ وهل انشغل بالتوافه من الأمور؟ هل قدم المهم على الأهم؟ هل مارس الجدال دون فائدة تذكر؟ إن من يستدعي نفسه لتقف أمامه ليحاسبها فإن ذلك يدل على فطنته ورجاحة عقله وسمو همته، فهو يناقشها فيما مضى ليرسم لها طريق ما هو آت! وقد قيل إن اليوم الذي لا تقف فيه مع نفسك فلا تعده من أيام حياتك. وشاعر الحكمة يقول:

والنفس تعلم أني لا أصادقها
ولست أرشد إلا حين أعصيها

محاسبة النفس أمر ضروري لضبط إيقاع الحياة اليومي، حيث لا يطغى جانب على جانب. النفس التي بين جنبي الإنسان لا يملك أن يفارقها ويدعها وشأنها، ومن هنا كان لزاما على كل إنسان أن يتعامل معها وفق المعطيات التي تضمن أن تصرفاته سواء تلك التي بينه وبينها أو بينه وبين الآخرين، كلها تقود إلى خير وإلى طريق مستقيم وليس العكس. بمعنى آخر أن يفتح الطريق لنفسه أن تسلك به طريق قوى الخير وأن تعينه على تلافي قوى الشر واضعا نصب عينيه، "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
إنشرها