FINANCIAL TIMES

قواعد أوروبا المالية بحاجة إلى أكثر من التعديلات الفنية

قواعد أوروبا المالية بحاجة إلى أكثر من التعديلات الفنية

في التحليل النفسي لفرويد، السلوك العصابي هو تعبير عن المشاعر المكبوتة. في هوس الاتحاد الأوروبي بالقواعد المقننة، السياسة هي المكبوتة. هذا هو السبب في أن النقاش الذي فتح مرة أخرى أخيرا حول القواعد المالية للكتلة سيكون صعبا.
لا يرضي الإطار المالي الحالي أحدا. تجد البلدان التي تعاني عجزا أن انضباطها مقيد للغاية لدرجة لا يمكنها تعزيز النمو الاقتصادي الذي من شأنه تحسين المالية العامة. البلدان ذات الفائض ترى ديونا عالية في الدول المجاورة المتعثرة وتخلص إلى أنها لم تكن مقيدة بما يكفي. القواعد معقدة للغاية بحيث لا يمكن إيصالها للناخبين، ما يقوض إمكانية قبولها ديمقراطيا.
أقل أمر سلبي يجب على أي شخص قوله - ولا سيما وزير المالية الألماني والمستشار القادم المحتمل، أولاف شولتز - هو أن القواعد لم تمنع الحكومات من إنقاذ اقتصاداتها من الكارثة خلال عمليات إغلاق كوفيد. يمكن أن يكون تعريفا معجميا لمدح باطنه ذم.
لذا تأخر إجراء تغيير كبير، لكن قليلين يأملون في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الشكل الذي ينبغي أن يتخذه التغيير. من هنا جاء إغراء إصلاح فوضوي على الأطراف. لكن المشكلة تكمن في أن الظروف الاقتصادية تغيرت بطريقتين متتاليتين على الأقل.
أولا، تسببت الاستجابة (الصحيحة) للجائحة في قفزة في نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. ثانيا، تتطلب أولويات الاتحاد الأوروبي زيادة كبيرة في الاستثمار من أجل الانتقال إلى اقتصادات لديها صافي صفر من الانبعاثات الكربونية، ويتم تحويلها رقميا بالكامل، واستعادة فرصة واسعة النطاق لتحقيق الازدهار.
الإطار الحالي لا يعكس هذه التغييرات. بموجب قواعد اليوم، من المفترض أن تخفض الحكومات التي تزيد فيها نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 60 في المائة الفائض بمقدار واحد على 20 سنويا. سرعة الاندماج هذه هي وصفة لمعوق كبير أمام النمو، من المحتمل جدا أن يهزم هدفه الخاص.
حجم الاستثمار العام الإضافي المطلوب لا يتوافق مع الحظر المفروض على العجز المفرط، ما لم يتم تمويله بخفض كبير في الإنفاق أو زيادات ضريبية في أماكن أخرى. هذه، أيضا، ستضر بالنمو وتقوض الدعم السياسي للتحول الأخضر والتحول الرقمي.
لذلك، في غياب الإصلاح، لن نعود إلى حالة تكون فيها القواعد ملزمة إلى حد ما على الأقل. لن تخفض البلدان الأكثر مديونية ديونها بالوتيرة المحددة. ستقترض الحكومات للاستثمار حتى لا تتخلف عن الركب في التحول الاقتصادي، غير مبالية بحدود العجز. ستصبح القواعد المالية عنصر توازن في الحساب السياسي.
مثل هذه الملاحظات هي أساس مشترك إلى حد كبير. نتيجة لذلك، تم طرح عدد من المقترحات الفنية الجيدة، بما في ذلك من المؤسسات التي اهتمامها بالمالية العامة المستدامة موثوق تماما.
يوصي المجلس المالي الأوروبي بمسارات خاصة بكل بلد لخفض الديون، مع مراعاة نقاط البداية الصعبة لبعض البلدان. يعتقد كلاوس ريجلينج، مدير "آلية الاستقرار الأوروبية "، أن سقف 60 في المائة على نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي "لم يعد ذا صلة" ويجب رفعه. يقترح مركز بروجل للأبحاث "قاعدة ذهبية خضراء" يمكن بموجبها إعفاء الإنفاق الاستثماري العام من القيود المالية.
كل هذه ستكون إصلاحات مفيدة. لكن اعتمادها لا يتوقف على فائدتها. يتمثل التحدي العميق للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي في أنها تستبدل الحلول الفنية بالحلول السياسية.
في كتلة متعددة القوميات فيها طبقات متعددة من السيادة، من المغري محاولة استبعاد السياسة تماما. لكن ذلك أيضا غير مجد. مثل مشاعر فرويد المكبوتة، لا تختفي السياسة المكبوتة، لكنها تسبب خللا وظيفيا في مكان آخر - بما في ذلك في قدرة القواعد على أداء وظيفتها بما يرضي الجميع.
العقبة التي تحول دون الحوكمة المالية الجيدة في الاتحاد الأوروبي ليست القواعد السيئة بل السياسة الضعيفة. على وجه الخصوص، الافتقار إلى الملكية السياسية المشتركة للسياسة الاقتصادية في الدول الأعضاء - على الرغم من الالتزام بموجب المعاهدة "باعتبار سياساتها الاقتصادية مسألة ذات اهتمام مشترك" - يؤدي إلى انعدام الثقة المتبادل. البلدان الأضعف ماليا لا تثق بدوافع البلدان الأقوى، التي بدورها لا تثق بقدرة البلدان الأضعف على إدارة اقتصاداتها.
مع ذلك، سياسات صناديق التعافي الجديدة بعد الجائحة تحتوي على بوادر أمل. بصرف النظر عن المجر وبولندا، لم تثر الشكوك القديمة بين الاقتصادات الأضعف والأقوى. بل على العكس تماما. لا يزال الوقت مبكرا، لكن إذا نظر إلى هذه العملية على أنها ناجحة، فستثبت أن شمال أوروبا وجنوبها يمكن أن يثق كل منهما بالآخر لتحقيق أهداف اقتصادية مشتركة. سيحدث ذلك فرقا في الحوكمة المالية أكثر من أي تغيير فني.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES