FINANCIAL TIMES

مدعومين من الأسهم الخاصة .. منافسون صغار يغيرون على شركات المحاسبة الـ 4 الكبرى

مدعومين من الأسهم الخاصة .. منافسون صغار يغيرون على شركات المحاسبة الـ 4 الكبرى

سيل جديد من الفضائح أثار مخاوف من أن الشركات التي تبيع خدمات مثل استشارات الاندماج لا يمكنها أيضاً العمل بفعالية في التدقيق المالي.

لم يؤد انهيار شركة إنرون في عام 2001 وزوال الشركة المسؤولة عن تدقيق حساباتها وهي شركة آرثر أندرسن إلى تقليص عدد شركات المحاسبة الخمس الكبرى إلى أربع شركات كبرى فحسب، بل أجبر معظمها على بيع أقسام الاستشارات الخاصة بها وسط حملة على تضارب المصالح.
في الأعوام العشرين التي تلت تلك الأحداث، ومع تلاشي فضيحة الاحتيال التي أصابت شركة إنرون في غياهب التاريخ، أعادت المجموعات بناء إمبراطورياتها الاستشارية من جديد، من خلال تقديم المشورات في كل المناحي من الإفلاس إلى الأمن السيبراني. ولكن أدى سيل جديد من الفضائح إلى إثارة المخاوف مرة أخرى من أن الشركات التي تبيع خدمات مثل استشارات الاندماج لا يمكنها أيضا العمل بفاعلية في التدقيق المالي.
أجبر ذلك كلا من ديلويت، وإي واي، وكيه بي إم جي وبي دبليو سي على كبح جماح عمليات البيع المتبادل التي ساعدتها على تحقيق عائدات سنوية بلغت قيمتها مجتمعة 157 مليار دولار في العام الماضي - ما فتح الباب أمام المنافسين الأذكياء لإغراء الموظفين ذوي الأداء المتميز من خلال عرض مرتبات سخية عليهم.
بينما يتنافس المتمردون الأصغر، وكثير منهم مدعومون من شركات الأسهم الخاصة، على الأقسام الأكثر إدرارا للربح من أعمال شركات المحاسبة الأربع الكبرى.
قال ريتشارد فليمنج، رئيس قسم إعادة الهيكلة الأوروبية في ألفاريز آند مارسال، وهي شركة مملوكة للقطاع الخاص وظفت أكثر من 50 من كبار المستشارين من الشركات الأربع الكبرى في أوروبا منذ عام 2017: "نحن لا نسرق غداءهم تحديدا، بل نسرق الطعام من الخزانة التي نريدها".
لكن بينما تعمل الشركات الأربع الكبرى على إعادة تشكيل أنفسها ردا على ما حصل، فإنها مصممة على الدفاع عن مضمار تخصصها. قال جون هولت، الرئيس التنفيذي لشركة كيه بي إم جي في المملكة المتحدة، لمجرد أنه تمت مداهمتهم "فإن هذا لا يعني أن النموذج متعدد التخصصات قد انتهى".
كل شيء باستثناء التدقيق
تواجه إحدى الشركات الأربع الكبرى مع شركائها غير المستقرين خيارا يشبه موقف نادي كرة القدم الذي يتفاوض مع لاعب "يريد الرحيل": فإما القيام بالترتيب لعملية بيع سريعة من أجل جمع الأموال وإعادة تشكيل الشركة، أو الوقوف بحزم والمجازفة بتفكك الفريق على أي حال دون انتظار الحصول على أي مكاسب مالية.
وجد المنافسون الأصغر الذين لديهم خطط نمو طموحة أنهم قادرون على استقطاب رؤساء شركاء في الشركات الأربع الكبرى يشعرون بأن رواتبهم متدنية، أو غير محبوبين، أو تمنعهم القيود من كسب العملاء بسبب تعارض ذلك مع ممارسات التدقيق الخاصة بالشركات.
أُجبرت كل من شركة ديلويت وكيه بي إم جي على بيع أقسام إعادة الهيكلة في المملكة المتحدة هذا العام في صفقات مدعومة من قبل مجموعتي الأسهم الخاصة، سي في سي كابيتال بارتنرز وإتش آي جي كابيتال. كما اختطفت منها أعمال أخرى أيضا.
قال أحد المديرين التنفيذيين لشركة أسهم خاصة يقيم في الولايات المتحدة عمل على عديد من صفقات الخدمات الاحترافية: "نحن مهتمون بكل شيء باستثناء قسم التدقيق".
جاءت المعاملات كبيرة وبسرعة. وكان تخلي شركة برايس ووترهاوس كوبر عن استشارات تنقل الموظفين والهجرة بقيمة 2.2 مليار دولار الشهر الماضي لصالح مجموعة كلايتون، بينما أصبحت شركة دوبيلييه آند رايس إلى حد بعيد هي الأكبر في مجموعة الشركات الأربع الكبرى في الأعوام الأخيرة.
كما باعت المجموعة أيضا شركة في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة وأجزاء من أقسامها الاستشارية الأمريكية والإيطالية إلى صناديق الأسهم الخاصة. بينما قامت شركة كيه بي إم جي العام الماضي ببيع شركتها التي تعمل في المعاشات التقاعدية والتي تضم 500 موظف في المملكة المتحدة في صفقة قيمتها 200 مليون جنيه استرليني.
قامت الشركات المستقلة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، مثل شركة ألفاريز آند مارسال، وأليكس بارتنرز، وإف تي آي كونسالتينج بالتعاقد مع أفضل الممارسين من الشركات الأربع الكبرى لدعم عملياتها العالمية للتوسع.
الاعتراف بالإنجازات
تغري صناديق الأسهم الخاصة واللاعبون المستقلون الشركاء بقطع وعود على أنفسهم بالتقليل من الصراع على النفوذ، واتخاذ قرارات أسرع والاستثمار في المجالات المهملة - لكن الوعد بتحقيق ثروات أكبر إنما يسهم في ذلك أيضا.
يمكن لأصحاب الأداء العالي الاحتفاظ بقدر أكبر من أرباحهم بالمقارنة مع نموذج الشركات الأربع الكبرى التقليدي، حيث تعد مدة الخدمة عاملا رئيسا في تحديد نسبة الأرباح.
قال تيموثي ماهاباترا، العضو المنتدب في ألفاريز آند مارسال: "إن الشركاء الأصغر سنا الذين يتمتعون بموهبة عالية ينفد صبرهم بصورة متزايدة أثناء انتظارهم للمكافآت عن عملهم"، مضيفا أن الشركات الأربع الكبرى الآن تجعل موظفيها الذين يتقاضون رواتب ينتظرون لفترة أطول قبل أن يصبحوا شركاء في أرباح الشركة. "بإمكاننا الاعتراف بإنجازات الناس بسهولة أكبر من ذلك".
لقد تضخم حجم الشركات الأربع الكبرى ليصبح لديها نحو 1.2 مليون موظف في جميع أنحاء العالم، ما نجم عنه بيروقراطية جعلت بعض الشركاء يشعرون بالحرمان من امتيازاتهم.
قال مارك رادان، رئيس قسم الاستشارات في إنترباث أدفايسوري، وهي شركة أعمال لإعادة الهيكلة تم بيعها لشركة إتش آي جي من قبل كيه بي إم جي هذا العام: "بمجرد أن يصبح لديك 600 شريك، فلن يكون ذلك الحجم منصفا لك، لكنك ستصبح من الموظفين المبجلين".
لكن في وجه أموال شركات الأسهم الخاصة، فإن الشركات الأربع الكبرى متفائلة حيال الاحتفاظ بأغلبية شركائها، بذريعة أن نموذجهم يوفر دخلا ثابتا من خطوط الأعمال المتنوعة والمناسبة لمساعدة العملاء على التعامل مع التغييرات التي تسببت فيها الجائحة، وتغير المناخ، و"بريكست".
قال هولت: "أنت بحاجة إلى شركة عالمية متخصصة في عدة مجالات للإجابة عن هذه المشكلات لأن السؤال الذي يطرحونه عليك ليس سؤالا من سطر واحد".
هذا يعني، كما يقول التنفيذيون في الشركات الأربع الكبرى، إن المبيعات تكون أحيانا عن طريق الاختيار. قال أحدهم: "الأمر يتعلق بتقليم المحفظة، وخلق قدرة استثمارية للقيام بعد ذلك بصفقات أخرى لاكتساب القدرات التي قد لا تكون لدينا في الوقت الحالي على النطاق (الذي نحتاج إليه) في المستقبل".
في بعض الأحيان يستفيد كلا الجانبين من عمليات التخلص. قال أندرو كولز، الرئيس التنفيذي في إيسيو، قسم المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة الذي باعته شركة كيه بي إم جي، إن شركته توسعت بشكل أسرع باعتبارها شركة مستقلة بعد عملية استحواذ حديثة. "هل يمكن أن تكون كيه بي إم جي قد كتبت الشيك؟ بالطبع ذلك ممكن. لكن هل فعلوا ذلك حقا؟ إني لست متأكدا".
الرافعة المالية
أثار نجاح بعض عمليات الشراء المبكرة اهتمام شركات الأسهم الخاصة. ضاعفت شركة سي في سي أموالها أربع مرات تقريبا في حصتها في أليكس بارتنرز بين عامي 2012 و2016، وفقا لشخصين مطلعين على الاستثمار.
على الصعيد العالمي، ازداد عدد صفقات الخدمات المحترفة التي تشمل مجموعات الأسهم الخاصة بشكل مطرد منذ عام 2013، وفقا لتحليل أجرته سورس جلوبال ريسيرتش، وهي شركة تزود المستشارين بالبيانات اللازمة.
بحسب الشركة، في المملكة المتحدة وحدها أشارت بيانات السوق إلى إبرام أكثر من 400 صفقة في عام 2020، من المحتمل أن يزيد العدد أكثر من النصف هذا العام بناء على الاتجاهات الحالية.
اعتادت مجموعات الشراء أيضا على تجنب شراء شركات الخدمات الاحترافية، جزئيا لأن البنوك كانت حذرة من التمديد لمبالغ كبيرة من الديون للشركات التي ترى أن أصولها الرئيسة هي الأشخاص، بدلا من المصانع أو الآلات.
مع ذلك، أصبح المقرضون معتادين بشكل متزايد على تمويل شركات الأسهم الخاصة لشراء الشركات المحترفة – وباستخدام مبالغ متزايدة من الرافعة المالية - بينما تعلمت الشركات كيفية التمسك بالشركات ذات الأداء المتميز، مثل خيارات الأسهم التي يمكن استردادها.
المخاطر تبقى حقيقية
شراء شركة أصولها أشخاص أمر ينطوي على مخاطر. اثنان من مؤسسي تينيو، مجموعة العلاقات العامة والاستشارات المملوكة لشركة سي في سي التي اشترت أعمال ديلويت لإعادة الهيكلة هذا العام، تركا الشركة بسبب أزمتي سمعة منفصلتين في غضون أشهر بينهما.
هناك أيضا مخاطر تجارية تواجهها الكيانات المنبثقة حديثا. تسببت ديون تينيو البالغة 605 ملايين دولار في ترك رافعة مالية تزيد على ستة أضعاف أرباحها الأساسية وذلك في آذار (مارس) الماضي، وفقا لما لوكالة موديز، الأمر الذي سيتسبب في تقليص قدرتها على المناورة إذا ما ساءت الأمور أكثر من ذلك.
كان تقدير إتش آي جي عند استحواذها على شركة إنترباث يبلغ نحو 375 مليون جنيه استرليني، وفقا لأشخاص مطلعين على شروط الصفقة، ما دفع بعض المنافسين إلى التساؤل عما إذا كان بإمكان الشركة تقديم عائد مرضي حتى لو توسعت دوليا أو قررت تنويع أعمالها في مجالات مثل المحاسبة الجنائية.
تلوح في أفق عمليات الشراء الأخيرة حقيقة أن صناعة إعادة الهيكلة كانت خلال الجائحة أكثر هدوءا مما كان متوقعا، حيث ساعد الدعم الحكومي، والبنوك، وأسواق الأسهم الشركات على النجاة.
في الوقت نفسه، ستبقى المنافسة على أشدها: يتوقع أن يتقدم سبعة أو ثمانية من مستشاري إعادة الهيكلة لوظيفة واحدة، على حد قول أحد محامي الإفلاس.
يمكن لأي مجموعة استشارية أن تفرض 73 أو 75 في المائة من وقت الموظفين على العملاء "جني الكثير من المال" لكن حتى إذا انخفض معدل "الاستخدام" بضع نقاط مئوية، فمن الممكن أن ترتفع الخسائر بسرعة، بحسب فيونا تشيرنياوسكا، الرئيسة التنفيذية لشركة سورس جلوبال ريسيرتش.
دون شبكات ديلويت وكيه بي إم جي العالمية الواسعة، يقول المنافسون: إن الوحدات المستقلة حديثا في شركتي إنترباث وتينيو قد تكافح للفوز بأدوار دولية كبيرة. فقد وضع الثنائي أنظارهما على التوسع الدولي لكن حتى لو نجحا، فسيستغرق الأمر بعض الوقت.
قال فليمنج، الذي قاد فريقا من الشركاء من كيه بي إم جي إلى ألفاريز آند مارسال في عام 2017: "قد يوظفون شخصا هنا أو هناك في ولاية قضائية مختلفة، لكن على المدى القصير إلى المدى المتوسط، إنهم منافسون أضعف بكثير مما كانوا عليه بالأمس".
مفترس أم فريسة؟
فشل المنافسون الصغار الذين يتصيدون أعمالهم حتى الآن في إيقاف نمو الأربعة الكبار. فقد أعلنت ثلاث شركات عن زيادة الإيرادات هذا العام مع توقع إعلان نتائج شركة كيه بي إم جي في كانون الأول (ديسمبر). المديرون التنفيذيون الأربعة الكبار حريصون على تصوير الغارات التي تقوم بها شركات الأسهم الخاصة على أنها عملية طبيعية لإنشاء وبيع شركات جديدة. إنهم يشترون بالفعل شركات وينمون داخليا في المجالات التي يتوقعون فيها نموا بعد الجائحة: التكنولوجيا، والحوسبة السحابية، وتغير المناخ، وغرس التغيير الثقافي داخل الشركات ونصائح الاندماج والاستحواذ - بشكل حاسم، كما يقولون، عن طريق الاختيار بدلا من الضرورة.
لكن بالنسبة إلى المتمردين الذين يراقبون، فإن هذه التحركات لا تغير حقيقة أن الأربعة الكبار هم الفريسة: "أعتقد أنهم عزل"، كما قال فليمنج.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES