Author

هل سيشعل التطرف أسعار النفط؟

|
مختص في شؤون الطاقة
خلال الأعوام القليلة السابقة، مرت أسواق النفط بكثير من المتغيرات الجوهرية في اعتقادي، وطرأ عليها مستجدات مهمة لا يمكن إغفالها. لم يتوقف الأمر عند بزوغ نجم النفط الصخري الذي أصبح طرفا رئيسا في معادلة النفط العالمية، فقد تزامن ذلك مع أزمة كورونا كوفيد - 19 التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد إلى الوريد، وقطاع الطاقة أحد أكبر المتضررين من هذه الأزمة. نعيش في عالم متسارع التطور ومطرد النمو، ما يعني بالضرورة زيادة الطلب العالمي على الطاقة الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أمن الطاقة العالمي قضية جوهرية لا يمكن بأي حال من الأحوال المساس بها أو تهديدها.
عندما أوجد النفط الصخري الأمريكي مكانا له بين أكبر منتجي العالم وبلغ إنتاج أمريكا من النفط أكثر من 11 مليون برميل يوميا، ظن البعض أنها ستتحكم بالأسواق وستقودها كيفما شاءت، فهل حدث ذلك؟ وعندما ضربت جائحة كورونا ذهب البعض إلى أن أسعار النفط ستنهار ولن تتعافى في الأمد القريب، وفي المقابل هناك من توقعوا أن تصل أسعار النفط إلى أكثر من 150 دولارا للبرميل بعد ظهور بوادر تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا، فهل أصابت توقعاتهم؟ من الطبيعي جدا أن تتباين التوقعات وتجانب الصواب بل تكون بعيدة كل البعد عن الواقع والمنطق أحيانا، فذلك يعتمد على المدخلات ودقتها وجودتها لاستشراف المستقبل.
ما يهمني هنا هو صوت العقلاء في التعامل مع ملف الطاقة العالمي وتوازنهم في التعاطي معه بحكمة ومسؤولية، وأعتقد أن "أوبك" بقيادة السعودية أنموذج مميز جسد هذا التوازن في قيادة دفة أسواق النفط خلال جائحة كورونا، وفي التعامل مع النفط الصخري الأمريكي قبل ذلك. فلم يتحكم النفط الصخري بأسواق النفط، ولم تنهر أسعار النفط خلال جائحة كورونا ولم تحلق إلى أسعار غير منطقية، بل تم التعاطي مع هاتين القضيتين بنجاح وحكمة ومسؤولية. لا يخفى على كل مطلع ومهتم بقطاع الطاقة، الزخم العالمي اللافت حول قضية تغير المناخ والمحاولات الحثيثة لشيطنة النفط وتقويض صناعته والاستثمارات الجديدة في أنشطة الاستكشاف والتنقيب عن حقول جديدة.
التطرف في التعاطي مع قضية تغير المناخ والتخبط في التعامل معها ليس حلا، وشيطنة النفط وإلحاق الضرر بشرايين الطاقة العالمية ليس حلا كذلك. الحل في تحمل الجميع المسؤولية من منتجين ومستهلكين في رفع كفاءة استخراج واستهلاك مصادر الطاقة بأنواعها المختلفة، وتلبية حاجة العالم الآنية والمستقبلية المتزايدة على الطاقة.
هذا لا يعني أبدا تجاهل البيئة وما يتعلق بتبعات تغير المناخ، بل العمل بتوازن وفاعلية للتعاطي مع هذه المعادلة، ما يعزز الأمن الطاقي العالمي ويحافظ على البيئة ومواردها. يجب أن نضع نصب أعيننا كما ذكر الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي ثلاث ركائز، أمن الطاقة والازدهار الاقتصادي ورفاهية سكان العالم بأسره وتغير المناخ وأهميته، وعلينا الاهتمام بها في آن واحد دون التهاون في واحدة دون الأخرى. تقويض صناعة النفط والاستثمار فيه تحت أي ذريعة كانت، سيؤدي في المستقبل القريب إلى شح في المعروض سيدفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة لن يتحملها المستهلكون، ولن يخفضها منظرو حماية البيئة.
إنشرها