التسامح إحدى السجايا السعودية

التسامح سمة حميدة وضرورية للحياة السعيدة على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات؛ بل ضرورية للاستقرار والأمن المجتمعي. فكما يقال "التسامح هو أكبر مراتب القوة، وحب الانتقام هو أول مظاهر الضعف". والتسامح مستويات متعددة في مجالات كثيرة، ولا يقتصر بأي حال من الأحوال على التسامح الديني فقط، كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، لكن يشمل أنواعا كثيرة للتعاملات والعلاقات الإنسانية. وشهدنا يوم التسامح الدولي، قبل أيام قليلة، أي في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) بالتحديد، الذي حظي بالاحتفاء في كثير من مؤسسات المجتمع السعودي، وعلى رأسها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يحتفل بهذه المناسبة من كل عام وينظم الندوات والحوارات التي ترسخ مبدأ التسامح في المجتمع السعودي. علاوة على أن التسامح قيمة راسخة في عادات المجتمع السعودي الأصيلة التي يستمدها من ديننا الحنيف الذي يدعو إلى التسامح بين البشر. ويعيش المجتمع السعودي في القرى والمدن حياة هادئة مليئة بأمثلة التسامح بين مكونات المجتمع العرقية والطائفية وجميع أطيافه وأنماط الحياة التي يعيشها السكان حتى لو كانت خارج سياق المألوف في المجتمعات المحلية.
والتسامح يعني اتخاذ موقف عادل أمام الاختلافات في وجهات النظر، وكذلك اختلافات العرق والدين واللون والميول، وأيضا نمط الحياة والعادات مع نبذ التعصب والعنصرية وقبول الآخر. والتسامح يبدأ بين الزوجين، وهو مطلب لبناء حياة زوجية سعيدة، فقد قال الله تعالى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، فلا يمكن للحياة الزوجية أن تستقيم في غياب التسامح وقبول الاختلافات الفردية في الرأي والميول والرغبات أو حتى العرق أو الطائفة الدينية. وعلاوة على ذلك، يحث الدين على التسامح في البيع والشراء، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى». ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ بل يمتد إلى الأصدقاء والأقارب، وفي ذلك يقول الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا .. صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
وينبغي استيعاب حقيقة مهمة وهي أن الاختلاف بين الأعراق والأديان والمذاهب سيبقى ولا يمكن طمس الاختلافات أو التخلص من بعض الفئات السكانية والطوائف، لذلك فإن التسامح وقبول الآخرين هما السبيل لمجتمع مستقر وآمن وحياة سعيدة، بعيدة عن الاضطرابات والتوتر والانقسام، مهما اختلفوا في المظهر واللون والدين والفكر. فكما قال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: «لكم دينكم ولي دين». وفي هذا السياق، أنجز مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أول مؤشر للتسامح من نوعه في المنطقة، وأظهر أن 82.2 في المائة من السعوديين متسامحون مع المختلفين معهم دينيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا. وهذا مؤشر يؤيد ما في الأذهان وما هو معروف عن المجتمع السعودي على مر العصور.
ولعلي أختتم المقال بما ذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، عن الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - "ومن منهج الملك عبدالعزيز العفو عن الآخرين حتى مع أشد خصومه الذين أصبحوا من أخلص رجالاته بسبب إنسانيته وهدفه السامي الذي تجاوز حدوده الشخصية ليشمل الدولة ذات المبادئ الإسلامية ومصلحة المجتمع".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي