Author

الذهب والتضخم .. مرحلة حساسة

|

تواجه الحكومات على مستوى العالم كله تقريبا، مخاطر استمرار ارتفاع أسعار المستهلكين، ولا سيما في الدول التي تتمتع فيها البنوك المركزية بالاستقلالية التامة عن الإدارات السياسية. ورغم أن السيطرة على التضخم ممكنة عبر إجراءات تقليدية معروفة، ليس منها بالطبع في هذا الوقت ضبط الأجور، على اعتبار أن ذلك سيؤدي إلى خسارة وظائف. المتاح دائما في هذا المجال، يبقى رفع معدلات الفائدة وخفض أسعار السندات، لكن حتى هذه الأداة تواجه مصاعب في توجهات نوعية البنوك المركزية التي أشرنا إليها، التي تحاول أن تنفذ سياسة اقتصادية متوازنة دون إحداث أضرار في هذا الميدان أو ذاك، وفي ظروف كهذه يتجه المستثمرون إلى الذهب، كمجال آمن من موجات أو تأثيرات التضخم، خصوصا إذا ما كان هذا التضخم يمر بمرحلة حساسة.
المرحلة الحساسة مرتبطة بالتعافي الراهن على الساحة العالمية من انعكاسات الأزمة الاقتصادية التي أتت بها جائحة كورونا. ففي بلد كالولايات المتحدة بلغ ارتفاع أسعار المستهلكين أعلى مستوى أخيرا، وعلى الساحة الأوروبية هناك ضغوط متزايدة في هذا المجال، وقبل يومين أعلنت بريطانيا تضخما بلغ الشهر الماضي 4.2 في المائة، أي أكثر من ضعف المستوى المستهدف للحكومة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه المشرعون إلى ضخ إمكانات في السوق من أجل استكمال عودة عجلة الاقتصادات المحلية إلى ما كانت عليه قبل كورونا، تأتي مسألة التضخم، لتربك مسار التعافي، فالمطلوب حاليا تحقيق نمو مستقر في الأشهر القليلة المقبلة، ولم تستطع الحكومات حتى الآن تكريس سياسة التعافي بصورة قوية.
ولأن الأمر بهذه الصورة، حقق الذهب ارتفاعا ملحوظا في الأسواق العالمية، وهذا أمر طبيعي في ظل عدم وجود استقرار في النمو العام، والمصارف المركزية باتت تفكر حاليا في الإقدام على الخطوة الممكنة والتقليدية، وهي رفع أسعار الفائدة، في الوقت الذي لا ترغب فيه الحكومات أن يؤدي رفع الفائدة إلى إبطاء مسيرة التعافي الاقتصادي المشار إليها.
فالمخاوف متراكمة من خروج التضخم عن السيطرة، صحيح أن تفاقم أزمة التضخم ستكون متفاوتة بين دولة وأخرى، إلا أن ذلك سيؤثر في الاقتصاد العالمي كله، فرفع الفائدة سيؤدي حتما إلى رفع قيمة العملات، ولا سيما الدولار، وقد ارتفع هذا الأخير حتى قبل أن يتقدم الفيدرالي الأمريكي ليرفع الفائدة، الأمر الذي سيرفع أعباء الاقتراض عموما، لكن في النهاية لا بد من حل لمشكلة التضخم.
الإقبال على شراء الذهب خلال الأيام الماضية، يأتي عمليا في نطاق التحوط، علما بأن زيادة أسعار الفائدة ستشكل خطرا سريعا على الذهب، إذا ما أقدمت البنوك المركزية الرئيسة على مثل هذه الخطوة. ومن هنا سيضطر المستثمرون إلى بيع ممتلكاتهم من الذهب، خصوصا إذا ما كانت هناك ملامح سيطرة واضحة على التضخم، فالمسألة التقليدية هي نفسها، يرتفع المعدن الأصفر عندما تكون الفائدة منخفضة على العملات الرئيسة. وقرارات رفع الفائدة لا تزال داخل الأبواب المغلقة، إلا أن الدولار "على سبيل المثال" تماسك في الأيام الماضية فوق أعلى مستوياته في أربعة أعوام، وهذا مؤشر على إمكانية أن تتمتع العملة الأمريكية بقوة في المرحلة المقبلة. لكن يبقى الخوف من التضخم على اعتبار أنه يشكل مخاطر انتخابية لكل الأحزاب والدوائر السياسية حول العالم، فأسعار المستهلكين ترتبط مباشرة بوضعية المؤسسات السياسية على صعيد الشعبية والانتخابات، وهذه المرحلة حساسة جدا، لأنها تأتي بعد ارتباك اقتصادي، بل أزمة لم يتوقعها أحد.

إنشرها