Author

التشهير عقوبة قضائية

|

عندما ينظر المرء فيما حوله ويستبصر الأحداث والوقائع، يجد من التصرفات والأفعال ما هو مفارق للصواب ومجانب للحق، وليس الحماس والمحبة، أو النصرة للمظلوم أو الضعيف أو المستضعف مبررا مقبولا لاختراق الأنظمة أو تجاوزها التي عليها مدار مصالح الناس في مجتمعاتهم واستقرار أمورهم، وكلما عظم الخطأ وكثر ضرره كانت عقوبته أشد وجرمه أكبر.
وإن تفاعل المجتمعات مع وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها وبلوغها شأنا عظيما وتأثيرا كبيرا أسهم في حدوث أخطاء جسام وأحداث كبار تغطت بسربال حسن النية وسلامة المقصد، وإن كانت في القضاء الجنائي من مخففات العقوبة لكنها تتلاشى عند فداحة الأثر والنيل من كرامة الآخرين والإساءة إليهم، يحدث فعل مناف للأخلاق وفيه تجاوز على الأشخاص من تعنيف أو ابتزاز أو تحرش أو تعسف أو ظلم أو فساد، فينبري الآلاف من كل حدب وصوب يشهرون بالأفراد ولوكان حقا، وهنا مكمن الخلل ومربط الفرس، فلا يحق نظاما أن تنشر أو تنقل خبرا خاصا وتظهره للعلن لتنصر الجانب الأضعف، أو لتحفظ حقا قد رامه الخطر وأحدق به، أو محاولة رده بعد ذهابه، فليست النصرة بالمخالفة للأنظمة أو تجاوزها، أو الخوض في غياهبها مع عدم العلم بها، فإذا حصل التشهير ووقع الخطأ مع حسن النية كان للظالم في القصة أو المبتز أو المتحرش أو المعنف المطالبة بحق له في الخطأ المرتكب في حقه، والإساءة التي وقعت على شخصه، حتى تتجلى الصورة فليست هذه التوعية وهذا الإرشاد سندا للمخطئين، ولا خوفا عليهم، لكن حماية للمجتهدين والمحبين والمناصرين لأن فعلهم وقع في غير محله وفي غير موقعه، والعدل مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الربانية، والزيادة في العقوبة ظلم يجب رده ومنعه، لأن عقوبة التشهير شديدة، والمستبصر في أحوال كثيرة مما ينشر ويبرز يعتريها ما يعتريها من فعل وردة فعل، وقصة كاملة أو متجزئة، تؤثر في المسار وتكوين التصور الصحيح، ولذا جاء المنظم السعودي بالعقوبة على المشهر بسجن يصل إلى عام وغرامة تصل إلى 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع أن المنظم رتب عقوبات على كل المخطئين من المعنفين والمبتزين والمتحرشين والفاسدين، وتجاوز المشهر هذه الأنظمة خطأ فادح وتجاوز على السلطة القضائية فيما هو من اختصاصها وتحت تصرفها وتحكمه الأنظمة التي لا يمكن تجاوزها بحال، أو التقصير في أعمالها وتطبيقها.

إنشرها