Author

التضخم .. أسعار الفائدة والتداعيات

|

بلغت معدلات التضخم في الولايات المتحدة، مستويات قياسية لم يشهدها تاريخ البلاد من قبل، ووصلت ذروتها خلال الفترة الأخيرة، ما أصبح قضية ملحة ومثار جدل طويل على محك الاقتصاد الأمريكي، وأدى هذا الوضع إلى تباطؤ حاد لأسعار المستهلكين الأساسية. وتواجه الولايات المتحدة إزاء هذا الوضع الصعب موجة من ارتفاع أسعار المستهلكين تعد الأعنف والأعلى منذ 30 عاما.
وتأتي هذه الموجة التي يتمنى الرئيس الأمريكي جو بايدن ألا تدوم طويلا، في وقت صعب وحساس أيضا، ولا سيما في ظل تداعيات مستمرة للآثار الاقتصادية التي تركتها جائحة كورونا حول العالم، هذا إلى جانب طرح علامات استفهام كبيرة حول تناقض موقف واشنطن، فهي ترفع صوتها عاليا في قضية التغير المناخي، وفي الوقت نفسه تدعو الدول المنتجة للنفط إلى ضخ المزيد في السوق العالمية.
فأسعار الوقود في الولايات المتحدة وصلت إلى مستويات عالية جدا، الأمر الذي تسبب في دعم ارتفاع أسعار المستهلكين عموما. وهنا تعد المسألة متشابكة، ولها أبعاد محلية واسعة، ولا يستطيع الرئيس بايدن أن يسيطر على الأسعار، إلا إذا اتخذ قرارات يتردد حتى الآن في اتخاذها.
ودون شك أن الخلافات بين أركان إدارة الرئيس الأمريكي بشأن التعاطي مع أسعار النفط التي يرونها مرتفعة، تسهم في اضطراب الموقف عموما. فالسوق العالمية للبترول تسير وفق منهج واضح تدعمه شفافية واضحة. وتتعاون الدول المصدرة للنفط عموما في هذا الميدان الحيوي، وفق مصالحها وتوازنات السوق ذاتها. والخلافات ضمن إدارة بايدن هي نفسها الخلافات القديمة ضمن الإدارات الأمريكية السابقة التي واجهت مشكلات مشابهة على صعيد التضخم وارتفاع الأسعار.
مسؤولو وزارة الطاقة لا يفضلون السحب من الاحتياطي النفطي، ويحاولون الصمود أمام المسؤولين في البيت الأبيض الذين يعتقدون أن هذا السحب سيخفف الضغوط على الأسعار عموما. والمشكلة هنا أنه في ظل هذه الخلافات، ارتفعت أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها في سبعة أعوام. وهذا الارتفاع مرة أخرى يأتي في وقت لا تزال فيه أعباء كورونا الاقتصادية والاجتماعية، رغم التحسن على صعيد مستويات البطالة. فعدد الأمريكيين الذين يتلقون الإعانة الحكومية يتراجع، لأسباب ترتبط مباشرة بالسياسة الاقتصادية لإدارة بايدن التي تعتمد حاليا على الاستدانة والإنفاق، إلى جانب طبعا المشاريع الهائلة للبنية التحتية التي تمكنت الإدارة من اقتناص موافقة المشرعين على 1.2 تريليون دولار لتمويلها. لكن حتى هذا الجانب المشرق لا يوفر للرئيس بايدن قوة دعم على الصعيد المحلي، خصوصا مع تراجع شعبيته في الآونة الأخيرة، بينما تمضي الأيام مسرعة نحو الانتخابات النصفية في البلاد.
التضخم يعد من أكثر الأمراض الاقتصادية ظهورا على الساحة، ويرتبط مباشرة بسمعة الأحزاب الحاكمة في أي بلد. ومن هنا يمكننا فهم المحاولات التي لا تتوقف للإدارة الأمريكية من أجل السيطرة السريعة عليه. فمؤشر أسعار المستهلك قفز الشهر الماضي 6.2 في المائة عن الشهر نفسه من العام الماضي، بينما انحصرت التوقعات بأن يبقى المؤشر عند حدود 5.9 في المائة. ولا يبدو أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي مستعد لإعادة النظر في سياساته الحالية حيال الفائدة والتضخم، علما بأن قرار هذا المجلس يبقى مستقلا عن أي ضغوط من قبل الإدارة السياسية للبلاد.
لا شيء أمام واشنطن حاليا لكبح جماح التضخم، سوى مواصلة العمل على خفض معقول لأسعار الوقود. والسؤال الأهم هنا ما الأدوات المتوافرة لها كي تحقق هذا الهدف في فترة زمنية قصيرة؟ فآثار ارتفاع الأسعار ستكون قوية في المستقبل القريب، بصرف النظر عن الحوافز التي تركتها سياسة الإنفاق التي اتبعها الرئيس بايدن فور وصوله إلى الحكم، عبر عدد من حزم تمويلية تريليونية.

إنشرها