Author

التغذية الراجعة .. منهج التصحيح والتقويم

|
تمثل التغذية الراجعة أسلوبا متقدما من أساليب التغيير، وتعديل السلوك، بل طريقة التفكير في المجالات كافة، في العلاقة بين الوالدين، والأبناء، وبيئة العمل، مهما كانت طبيعتها، فالوالدان بما يلاحظانه على أبنائهم من سلوك حسن، أو سيئ يمكنهما إعطاء تغذية راجعة يستفيد منها الابن، فالسلوك الإيجابي المتسم بالإيجابية لدى الابن يقوى، وتتم المحافظة عليه كلما وجد صاحبه تغذية راجعة إيجابية، لما لها من وقع حسن في نفس من صدر منه السلوك، إذ يلمس التعزيز في كلمة ثناء صدرت من أمه، أو والده، وهذا من شأنه زيادة حماسه، وإشعاره بسلامة سلوكه، وتوافقه مع قيم، وثوابت المجتمع الذي ينتمي اليه.
أما إن كان السلوك الصادر من الفرد سيئا، وغير مقبول، ولا يصب في مصلحة الفرد، أو سمعة العائلة، أو يختلف عن الطريقة الواجب اتباعها لإنجاز مهمة في بيئة العمل، فالتغذية الراجعة السلبية حيال ذلك تعمل بمنزلة التنبيه على عدم القبول، والرضا، وفي ذلك إشارة يجب على الفرد استغلالها لتصحيح وضعه حتى لا يتفاقم الوضع، ويصل الفرد إلى ما لا تحمد عقباه، وتتحقق فائدة التغذية الراجعة بناء على حصافة من تصدر منه، وحسن اختياره الكلمات، والجمل إن كانت لفظية لتجنب ما يجرح المشاعر، ويحدث ردود فعل متشنجة من الطرف الآخر الموجهة إليه، فالكلم الطيب قد يحقق الهدف المنشود المتمثل في تعديل السلوك حتى لا يكون الفرد في موقف دفاع عن نفسه، ويدخل الطرفان في حلبة صراع تفتقد حضور العقل، وسيادة المشاعر والعناد.
التغذية الراجعة السلوكية قد تكون على شكل ابتسامة تعبر عن الرضا، أو تقطيب لملامح الوجه للتعبير عن الانزعاج، وعدم الارتياح، وأحيانا قد تكون بصورة خشنة، كالضرب، أو الحرمان من شيء مهم، وضروري للفرد.
الميدان التعليمي من الميادين الأكثر حاجة إلى التغذية الراجعة الرشيدة، فالتعامل بين طرفين معلم، وطالب يجهلان بعضهما بعضا، ولا توجد بينهما علاقة من قبل يعد أمرا غاية في الحساسية لسوء تفسير أحدهما لسلوك لفظي، أو عملي يصدر من الآخر، ومن ثم تكون الاستجابة الصادرة من الطرف المستقبل ربما لا تتوازى مع السلوك، وفيها شيء من الحدة، والغلظة، وتظهر التغذية الراجعة بشكل واضح في التصحيح الذي يعطيه المعلم على واجب، أو اختبار مكتوب، أو مشاركة لفظية، إذ تفيد الملاحظة في تجنب الوقوع في الخطأ مرة ثانية.
في سيرة ذاتية لأحد الأفراد ذكر فيها أنه خلال دراسته في المرحلة الابتدائية، وفي مادة الرياضيات تحديدا التي لم يكن يحبها، حدث العكس فيما بعد، حيث كان الطالب الوحيد الذي أجاب على مسألة رياضية إجابة صحيحة فأثنى عليه معلم المادة ثناء عطرا كتابة على الدفتر، ولفظيا أمام الطلاب، وفوق ذلك طلب منه حل المسألة على السبورة أمام الزملاء، ومن يومها يقول أحببت الرياضيات، وعشقتها، وتخصصت بها، وألفت فيها الكتب.
التغذية الراجعة تحدث أثرها كلما كانت الظروف ذات طابع إيجابي لما في ذلك من فرصة كبيرة لقبول، وفهم الرسالة التي تحملها خاصة أن قلة نضج المتلقي، وافتقاد الخبرات العامة إن كان طالبا غضا، وكانت الرسالة ذات طابع سلبي قد تفقد الفرد الاستفادة منها. إن ضيق الأفق، وعدم إدراك قيمة وأهمية التغذية الراجعة تحدث ردود فعل متشنجة لظن المتلقين أن الملاحظات المقدمة لهم للنقد، وليست للتصحيح، والتعديل، والبناء، أو إعادة البناء. التغذية الراجعة إما أن تكون فورية حال إعطاء الاجابة على السؤال، أو تقديم الواجب، وقد تكون مؤجلة، إلا أن الفورية تعطي أكلها في التصحيح، والتعديل لقربها الوقتي من السلوك الخاطئ، أما المؤجلة فقد لا يتمكن الفرد من ربطها بشكل دقيق بالسلوك، أو الأداء الواجب تصحيحه.
الواجبات، والتمرينات، والاختبارات تحتاج من المعلم قراءتها، ووضع الملاحظات عليها ليستفيد الطلاب منها، أما إن أهملها المعلم ولم يصححها، ويدون ملاحظاته عليها ستفقد قيمتها لعدم وجود التغذية الراجعة بنوعيها الإيجابي، والسلبي. التغذية الراجعة الإيجابية تقوي الثقة بالنفس، أما السلبية فتبصر الفرد بالخطأ الذي وقع فيه ليصححه، ويتجنب الوقوع فيه مرة أخرى.
إنشرها