حكومة منزوعة القرار والإرادة

من ينظر إلى الوضع في لبنان خلال الأعوام الماضية حتى الآن، يدرك تماما أن هذا البلد لا يملك قراره السياسي، والاقتصادي، وحكومته ودولته مختطفة، وقراراتها رهينة لأجندة خارجية. السبب الرئيس لذلك معروف لدى الجميع، وهو ينحصر - ببساطة - في ميليشيا اسمها حزب الله الإرهابي، الذي ينشر الخراب والفوضى في لبنان ودول أخرى، بل في كل منطقة يمكن الوصول إليها، ومجرم هذا الحزب حسن نصرالله لم يخف عمالته، بل أعلنها مفتخرا بها. الافتخار بالعمالة ضد الوطن له أسبابه أيضا، لأنه يستند إلى أجندة طائفية بغيضة تضرب مباشرة كل انتماء وطني صادق، وكل جهد يهدف إلى إصلاح الأوضاع على الساحة اللبنانية، وكل محاولة من أجل أن يعود هذا البلد إلى محيطه العربي الطبيعي، ويتمتع بالتنمية التي تليق بمواطنيه.
الأزمة التي أثارتها المواقف السلبية الحالية والمسيئة للأشقاء العرب، التي لم يتفاعل معها الجانب اللبناني بقرارات حاسمة، ليست جديدة من جانب حكومات لبنانية لا تملك قرارها. الأمر الطبيعي أن يتقدم رئيس الحكومة ويقيل الوزير الذي أثار هذه الفتنة، لكن نجيب ميقاتي يعرف تماما أن حكومته لن تستطيع اتخاذ القرار، لأن قرارها يقع تحت سيطرة حزب الله الذي يسير دفة الأمور في البلاد بسطوته العسكرية المطلقة، وأن الحكومة الحالية عاجزة عن فعل أي شيء، على الرغم من معرفتها بالأضرار البالغة التي سببتها المواقف السلبية الأخيرة، ليس فقط على علاقة لبنان الحالية مع أشقائه العرب، بل على هذه العلاقة مستقبلا، خصوصا عندما تكون القرارات الحاسمة آتية من طهران التي وضعت استراتيجيتها على مبدأ واحد، وهو إخضاع المنطقة، عبر إحداث أكبر قدر من الدمار الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن الفوضى السياسية التي تواجه المشهد الحالي.
فقدت الحكومة اللبنانية وبعض الحكومات التي سبقتها مكانتها، وهيبتها وقوتها عند اللبنانيين أولا، وعند العرب والعالم ثانيا، والهيبة المفقودة لمثل هذه الحكومة أدت بالطبع إلى إدخال البلاد في عزلة مع من؟ مع الأشقاء العرب الذين لم يتوانوا عن الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في كل المراحل والظروف، بما فيها تلك الفترة التي شهدت بداية تحكم حزب الله الإيراني في لبنان بمفاتيح القرار، فهدف العرب وفي مقدمتهم السعودية، يبقى دائما مصلحة المواطن اللبناني وليس نظامه الذي ينفذ أجندات خارجية تستهدف عزله عن محيطه الطبيعي. لبنان صار منذ أعوام رهينا لجهة ليست أكثر من عصابة تعيش على شيئين، الأول التمويل الخارجي، والثاني تغذية النعرات الطائفية والتأسيس عليها.
هذه الاستراتيجية أوصلت لبنان إلى حالته الراهنة، لا ماء، ولا كهرباء، ولا غاز، ولا خدمات أساسية، وصار للفساد مؤسسات بعينها، بينما تنهار العملة اللبنانية كل ساعة، ما أدى إلى عجز متفاقم. أضف إلى ذلك الحصانة التي يتمتع بها المجرمون، مثل أولئك الذي كانوا وراء تفجير الميناء العام الماضي، وغير ذلك من حالات لم تحدث في تاريخ البلاد حقا. المشهد يسجل أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة قد فشلت في انتشال وإنقاذ البلد من أزمته السياسية، والمالية، لكونها رهينة ومختطفة من حزب الله، حيث تسبب الأخير في عزلة هذا البلد عن محيطه العربي وأصبح يسيطر على قراراته، وأفقد الحكومات هيبتها، ودورها تجاه شعبها الذي ظل يعاني أزمات في الكهرباء، والوقود، والخدمات المعيشية، والحياتية الأخرى، ولم تشهد البلاد من قبل مثل هذه الأزمات التي يكتوي الشعب بنارها.
المواقف التي اتخذتها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي حيال الأزمة الحالية، كانت ضرورية، فلا يمكن أن تكون هناك علاقات طبيعية مع حكومة تعادي أشقاءها العرب، ولن ينقذ لبنان واللبنانيون سوى هؤلاء العرب الذين أثبتوا على مر التاريخ أنهم لا يمكن أن يتخلوا عن بلد عزيز عليهم، بل حملوا أنفسهم مسؤوليات كبيرة، ومتشعبة، من أجل أن ينهض بالصورة التي تليق به، وبشعبه.
لن تمر الأزمة الحالية بسهولة، فقد طفح الكيل بالفعل، والأمر زاد عن حده، خصوصا من جهة السعودية، التي قادت جهودا عظيمة في السابق لدعم لبنان اقتصاديا، وسياسيا، وساعدت على رفعة كرامة شعبه، وهي اليوم تعلنها صراحة لن نسكت على الإساءات المتكررة، الوطن خط أحمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي