Author

مشكلة النفايات بلا تدوير

|

أنتجت مدن العالم أكثر من مليوني طن من النفايات أخيرا، ووفقا للبنك الدولي يتوقع أن يصل إنتاج النفايات إلى 3.4 مليار طن بحلول عام 2050، نتيجة لنمو عدد السكان، وحجم المدن عالميا، وهي مشكلة معقدة، ويبدو أنها بلا حلول جذرية مطروحة الوقت الراهن. ويمثل التخلص من النفايات بطريقة صحيحة وآمنة عملية مكلفة جدا، ومعقدة، ويتضمن ذلك الجمع، والنقل، والدفن، وإعادة التدوير، ومعالجة مياه الصرف الصحي والمراقبة والتنظيم، وتستهلك الإدارة الصحيحة للنفايات نحو 25 إلى 50 في المائة من ميزانيات البلديات، لكن نقص التمويل وغياب النظم القانونية يؤديان إلى معالجة النفايات بطريقة خاطئة، فتتحول إلى مشكلة أكبر تهدد الاستدامة.
مشكلة النفايات أصبحت مصدرا للربح، والتجارة العالمية، ومجالا واسعا للتصدير والاستيراد، ما يؤكد أنها مربحة جدا، لدرجة قيام دول كبرى مثل الصين باستيراد المخلفات وشرائها من دول أخرى، لتصنيعها محليا، ومن ثم تصديرها كمنتجات، وهي تشمل كل أنواع المخلفات التي زادت بشكل خطير مع سرعة التقدم الصناعي، وعدم التمكن من التخلص منها، ما أدى إلى زيادة وتراكم المخلفات بشكل خطير يهدد الصحة العامة، خاصة أن جزءا كبيرا من هذه المخلفات يتم التخلص منه بشكل غير صحي، حيث إن كثيرا من المخلفات السائلة مثل مخلفات المصانع، أو الصرف الصحي، تنتهي في كثير من الدول إلى البحار، أو الأنهار، وبعضها يتم حرقه، ويلوث الهواء.
الحديث عن مشكلة التخلص من النفايات الإلكترونية والكهربائية عالميا ليس جديدا، وفي العقود الماضية كانت التحذيرات من خطورة التخلص العشوائي من هذه النفايات لا تتوقف، في ظل الارتفاع الكبير لإنتاج السلع الإلكترونية، والكهربائية، واستبدالها المستمر، وأحيانا السريع.  ورغم أن دولا كثيرة نظمت عملية التخلص من النفايات المشار إليها، بصورة أو بأخرى، إلا أن المخاطر لا تزال حاضرة، نتيجة عدم الالتزام بها، حتى إن بعض القوانين الناظمة لا تصحبها عقوبات على المخالفين في كثير من الدول. 
هذه النفايات لا تتعلق فقط بالأجهزة المعروفة، بل تشمل أيضا حتى البطاريات المنتهية الصلاحية، أو الشحن، والمصابيح الكهربائية، والكابلات، وغير ذلك من المواد التي تدخل في الصناعات الكهربائية والإلكترونية، فالمشكلة كبيرة وخطيرة، نظرا للآثار الصحية، والبيئية السيئة، التي تتركها تلك النفايات.  
التحذيرات لا تزال تظهر بصورة مستمرة، حيث تشير إلى أن حجم المخلفات الإلكترونية والكهربائية سيسجل رقما قياسيا غير مسبوق، ويصاحب ذلك دعوات لا تتوقف إلى المنتجين، والمستهلكين، والحكومات، لدعم الحراك الموجود حاليا من أجل إعادة تدوير هذه المخلفات. الجهات المختصة ترى في التقليل من هذا النوع من النفايات، أن التخلص من المنتجات المشار إليها بطرق غير مدروسة، يساهم في ضياع ثروات حقيقية كبيرة، ومن النقاط المهمة بالفعل، أن تنظيم هذه المخلفات، سيخفف تلقائيا الضغط على الموارد المحدودة في الساحة العالمية. 
ومن المشكلات العالقة، أن نسبة استهلاك هذه المنتجات ترتفع بصورة سريعة للغاية، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع ارتفاع مستوى الدخل للأفراد بشكل عام حول العالم، وكذلك السرعة الكبيرة في وتيرة الابتكارات في هذا المجال، ما يزيد من سرعة خطوط الإنتاج لسلع جديدة، مبتكرة، ومحسنة. 
من النادر أن تجد فردا في هذا العالم لا يتعامل بصورة أو بأخرى مع منتجات كهربائية، وإلكترونية، فضلا عن المؤسسات بكل أنواعها التي لم تعد تعمل دونها، ولذلك فإن التخلص من المنتجات المستعملة ما زال عشوائيا، ويبدو أنه سيستمر على هذا الشكل لفترات طويلة، خصوصا إذا ما علمنا أنه يتم تدوير 17.4 في المائة فقط من هذه المنتجات حول العالم، وهي كما يظهر بوضوح نسبة قليلة للغاية، وتدل على أن الجهود التي بذلتها الحكومات ولا سيما في الدول المتقدمة، لم تحقق أهدافها ولا غاياتها، كما أنها تشير إلى أنه لا بد من العمل المستمر وتفعيل الجهود في هذا الميدان. 
المسألة هنا لا تتعلق فقط بالآثار الخطيرة للنفايات الإلكترونية، والكهربائية، على الصحة، والبيئة، بل تشمل أيضا وبصورة كبيرة جانبا اقتصاديا مهما. 
يعتبر المختصون أن التخلص من هذه المخلفات بطرق غير قانونية، أو عشوائية، أو التعاطي معها كأي نفايات أخرى، يعني ببساطة ضياع «منجم ذهب». لماذا؟ لأن ذلك يعطل عمليات إعادة التدوير، وهذه العمليات توفر مواد عالية القيمة بالفعل يعاد إدخالها في منتجات جديدة، ما يزيل جانبا من تكاليف الإنتاج على الشركات المصنعة، فضلا عن أن ذلك يسهم في خفض أسعار المنتجات الإلكترونية، والكهربائية. 
هناك مواد تدخل في هذه الصناعة يمكن إعادة استخدامها في التصنيع عشرات المرات، ولكن الأمور لا يبدو أنها تسير نحو مزيد الانفراج في هذه الساحة، خصوصا مع الأرقام الأخيرة التي أعلنها منتدى النفايات الكهربائية والإلكترونية قبل أيام، بمناسبة اليوم العالمي للنفايات الإلكترونية التي توضح أن إجمالي النفايات المتوقع هذا العام في جميع أنحاء العالم يبلغ 57.4 مليون طن، مرتفعا من 53.6 مليون طن متري، تم توليدها في عام 2019، وبالتالي فإن التحرك العالمي بهذا الخصوص ينبغي أن يكون أكثر سرعة، وأشد صرامة.

إنشرها