FINANCIAL TIMES

أبراج المكاتب في مانهاتن تحكي قصة من يملك ومن لا يملك

أبراج المكاتب في مانهاتن تحكي قصة من يملك ومن لا يملك

عندما اجتمع العمدة وكبار الشخصيات الأخرى قبل عام لقص شريط افتتاح مبنى وان فاندربيلت، وهو أحد أحدث أبراج المكاتب وأكثرها تقدما في مانهاتن، حينها شابت أجواء الاحتفالات جائحة أثارت تساؤلات وجودية حول مستقبل مثل هذه المباني.
ومع ذلك، تم تأجير أكثر من 90 في المائة من برج وان فاندربيلت حتى الآن. أما أحدث مستأجر لها فهي شركة "يو آي باث" لبرمجيات الروبوتات التي وقعت عقد إيجار الشهر الماضي لمدة 15 عاما كي تشغل الطابق الـ60 بأكمله.
قال مارك هوليدي، الرئيس التنفيذي لشركة إس إل غرين، التي طورت عقار وان فاندربيلت وأكبر مالك للمكاتب في نيويورك: "أتمنى لو كان لدي 20 طابقا إضافيا لأني حينها كنت سأضمن تأجيرها جميعا".
لكن على بعد بضع بنايات منه، يقع مبنى آخر للمكاتب في مانهاتن كان يعاني مصيرا مختلفا. 850 ثيرد أفينيو، هو صرح من الزجاج والفولاذ فتح أبوابه في عام 1960، وكان نصفه شاغرا تقريبا وكانت مالكته، شركة تشيتريت جروب، تكافح لتفادي الحجز عليه بعد التخلف عن سداد الرهن العقاري.
تحكي الحظوظ المتباينة لهذه الأبراج الكثير عن أكبر سوق للمكاتب في العالم بعد مضي 18 شهرا من الجائحة: فالمباني الأكثر رواجا - سواء كانت جديدة تماما، مثل وان فاندربيلت، أو التي تم تجديدها حديثا، مثل مبنى ساينت جونز تيرمينال التابع لشركة جوجل حيث بلغت تكلفة ترميمه 2.1 مليار دولار - جميعها لا تزال تجتذب المستأجرين وتجلب أعلى الإيجارات بينما يعاني مخزون المدينة الكبير من الأبراج القديمة.
قالت روث كولب هابر، الرئيسة التنفيذية لشركة وارتون بروبيرتيز، التي تقدم المشورة للمستأجرين: "إن ما لدينا الآن هو سوق من قسمين لتأجير المكاتب حيث تفلت المباني ذات السرادق من الجائحة بسلام نسبي في الوقت الحالي، بينما تتحمل المباني من الطبقة الدنيا والمتوسطة وطأة الخسائر".
تنعكس هذه الديناميكية في البيانات التي جمعتها شركة العقارات التجارية سي بي آر إي، التي تصنف مباني مكاتب مانهاتن الـ844 التي تتابع حالتها إلى فئتين: "الأفضل" و"التي تحولت إلى سلعة". حيث وجدت أن الفئة الأولى تمتاز بإيجارات أعلى وشواغر أقل وأنها قد شهدت عرض مكاتب ذات مساحة أقل في سوق التأجير من الباطن على مدار العامين الماضيين.
قال بول أمريتش، نائب رئيس شركة سي بي آر إي: "لقد رأينا دليلا في التأجير في الأشهر الستة الماضية على أنه إذا كان البناء جديدا وفي موقع جيد، فإنه ناجح للغاية. لقد استقر كثير من المباني في مستويات ما قبل الجائحة أو فوقها". وفي الوقت نفسه، حذر أمريتش من أن المباني الأخرى - المثقلة بالعيوب كالموقع السيئ، والأسقف المنخفضة، والنوافذ الصغيرة أو غيرها من العيوب - "يمكن أن تصبح مهجورة".
أو كما قال كريغ دييتلزويج، الرئيس التنفيذي لشركة ماركس ريالتي: "إذا كنت مبنى سلعيا، فأنت ميت... فالجميع يريد مكتبا مثل مكتب جوجل".
مع استمرار الجائحة ومساعي الشركات لإعادة الموظفين إلى العمل من مكاتبهم، تدفع هذه القناعة عديدا من المديرين التنفيذيين في مجال العقارات إلى التنبؤ بحدوث هزة على مستوى الجيل تدك مباني المكاتب في نيويورك ويمكن أن تغير المدينة نفسها.
لكنهم يعتقدون أنه سيتعين على المالكين قريبا أن يقرروا ما إذا كانوا مستعدين لاستثمار مئات الملايين من الدولارات، كما فعل ماركس وآخرون غيره، من أجل "إعادة تهيئة" المباني القديمة بالميزات التي روجت لها شركات التكنولوجيا في الساحل الغربي التي أصبحت الآن من متطلبات العصر.
قد يتخلى البعض عن ذلك ويقررون أنه بإمكانهم الاكتفاء بالإيجارات القليلة. بينما قد يضطر الآخرون إلى البيع - ولا سيما أولئك الملاك الذين تثقلهم الديون الكثيرة.
توقع مايكل كوهين، رئيس منطقة نيويورك في شركة كوليرز العقارية التجارية أننا: "سنشهد إنشاء الكثير من المباني الجديدة على مدى الأعوام العشرة المقبلة"، مشيرا إلى أن عديدا من الملاك في ميدتاون قد أدخلوا "بندا للهدم" في عقود الإيجار لتسهيل هدم المباني، إذا ما اختاروا القيام بذلك. وقال "إن رؤوس الأموال تطوف في المدينة بحثا عن الفرص".
كان التحرك نحو تحديث مخزون المكاتب في نيويورك على قدم وساق قبل مجيء فيروس كورونا. وقد شجعت الفكرة القائلة إن القرارات المتعلقة باستئجار المكاتب التي كان يتم اتخاذها بسبب قربها من مقر إقامة الرئيس التنفيذي ينبغي بدلا من ذلك أن تحكمها الحاجة إلى جذب العمال الشباب الموهوبين، الذين يمكنهم الانضمام بسهولة للعمل في بنك استثماري أو شركة تكنولوجيا.
إن الجائحة تسرع هذا التحول. حيث قضت الأزمة الاقتصادية على بعض المستأجرين في المباني الأقل حداثة أو دفعت بهم إلى تقليص المساحة المؤجرة. وفي الوقت نفسه، يستغل آخرون هذه الفرصة النادرة لتشييد الأبراج بشروط مواتية لهم، الأمر الذي يزيد من الفراغ في المباني الأضعف في هذه المنافسة.
ثم نأتي إلى ذكر وسائل الراحة. فقد أدت جائحة كوفيد - 19 إلى توفير عناصر "العافية" مثل الهواء النقي والوصول إلى الحدائق كمتطلب ضروري - وليس اختياريا. كما استحضرت التهديد المتمثل في العمل عن بعد الذي كان بعيد الحصول. ومن أجل جذب العمال للعودة إلى المكتب، يتبنى عديد من الشركات فكرة أنه يجب عليها جعل مساحة العمل أكثر جاذبية من المكتب المنزلي أو مقهى ستاربكس.
وقال هوليدي: "هناك ترقب اليوم بأن أفضل المباني ستحتوي على مرافق للمؤتمرات، ومقاه، وقاعات، وغرف مخصصة للعافية، وصالات رياضية، واستوديوهات، ومرافق للاستحمام بعد السفر وغرف للدراجات - والقائمة تطول وتطول". ربما أضاف أيضا استوديوهات موسيقية، حيث يمكن للموظفين العزف على آلاتهم للتحرر من آثار الضغط.
يكتظ مبنى وان فاندربيلت الذي تبلغ تكلفته 3.3 مليار دولار بمثل هذه العروض. حيث يوفر البرج الذي يبلغ ارتفاعه 1400 قدم، والذي يعلو محطة غراند سنترال، للركاب إمكانية الوصول المباشر إلى مترو الإنفاق دون الحاجة إلى مغادرة المبنى. ومن بين الخيارات المقدمة لتناول الطعام فيه هو مطعم جديد بمساحة 11 ألف قدم مربعة بإدارة الطاهي دانيال بولود.
ليس الجميع متهيئا للتنافس مع وان فاندربيلت. حيث ينتاب جيفري غورال، المطور العقاري من الجيل الثاني في نيويورك والذي عايش فترات ازدهار وانهيار، شعور بالشك في سباق التسلح نحو توفير وسائل الراحة. حيث قال: "إن أشباه شركة غوغل في العالم يعيشون على كوكب مختلف"، مضيفا أنه: "لا يمكن لكل شخص دفع إيجار قدره 100 دولار للقدم المربع".
حتى مع الظروف المحيطة المتمثلة بكوفيد - 19 والعمل عن بعد، فإن غورال يعتقد أنه ستكون هناك سوق لمستأجرين أصغر ويأمل أن مبانيه قبل الحرب، التي شيدت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ستكون محمية من المعاناة بسبب طابعها التاريخي. لكنه اعترف قائلا: "ربما ستعاني المباني الزجاجية القديمة التي تم بناؤها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي".
لقد ازدهر هذا الجيل من الأبراج المكتبية في وسط المدينة حين هربت الشركات المالية من مكاتبها في وسط المدينة بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت تبدو آثار التقادم على كثير من هذه المباني قبل وصول الجائحة.
وانخفضت إيجارات المكاتب التي يتم طلبها في ميدتاون على مدى خمسة أرباع متتالية، وفقا لشركة كوليرز. حيث انخفضت 8.2 في المائة منذ آذار (مارس) 2020، عندما أجبرت الجائحة مدينة نيويورك على الإغلاق. وإضافة إلى ذلك، بات يتعين على الملاك الدفع مقابل الإضافات التي يرغب فيها المستأجرون، مثل البدلات السخية بشكل غير عادي مقابل الإصلاحات التي يقوم بها المستأجر.
يقول دان شانون، الشريك في شركة إم دي إي أيه إس، وهي شركة معمارية متخصصة في إعادة تأهيل الأبنية، إن هاتفه يرن حول استفسارات بخصوص الأبراج المتقادمة على طول شارع ثيرد أفينيو، مثل مبنى تشيتريت، الذي يفتقر إلى المكانة التي يتمتع بها منافسوهم الأكثر مركزية في بارك أفينيو وماديسون أفينيو. وقال إن عملية إعادة ترميم البناء أسرع من البناء الجديد، وأقل تقييدا بقوانين تقسيم المناطق المرهقة. فإذا ما تم تنفيذها بشكل جيد، فهي عندئذ تحمل معها الوعد بمزج أفضل ما في البناء القديم والبناء الجديد.
وقالت شانون عن المباني: "يجب أن تكون أكثر جاذبية بالتأكيد". "فهم بحاجة إلى الوقوف في المقدمة".
في حين سيتم إحياء بعض أبراج ثيرد أفينيو، أو استغلالها في استخدامات أخرى، فإن ما تمخضت عنه نظرية داروين عند تطبيقها على سوق العقارات في مانهاتن أن هذه المباني لن تنجو جميعها.
قال هوليداي: "في أي دورة كهذه، ستشهد ضغوطا على المباني الدنيا التي تشكل نسبة 10، و15، و20 في المائة من المخزون الذي سيتم التخلص منه". وأضاف: "هناك مبان سيتم هدمها في سبيل إفساح المجال لبناء جديد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES