FINANCIAL TIMES

حان وقت دق جرس الإنذار في عالم العملات الرقمية

حان وقت دق جرس الإنذار في عالم العملات الرقمية

عملة "تيثر" تمثل نحو نصف إجمالي عالم العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى.

قبل 12 عاما، خلال الأزمة المالية في 2008، خطر لي أن أفضل طريقة لجعل النظام المالي آمنا، وسط الابتكار الجامح، هو أن يعاني المستثمرون والمنظمون أجراس "إنذار" صغيرة منتظمة. هذه الأحداث، مثل العصيدة في حكاية "جولديلوكس"، ستكون "ساخنة" بما يكفي لتؤذيهم، ولكنها ليست حارقة جدا لدرجة أن تسبب لهم حروقا دائمة.
مع الأسف لم يحدث هذا قبل تلك الأزمة، أو ليس بالدرجة التي قد تتسبب في انهيار نشوة واعتزاز المستثمر "والمنظم". ومع ذلك، السؤال المثير للاهتمام الذي يجب التفكير فيه اليوم، وسط نوبة جامحة أخرى من الابتكار المالي حول العملات المشفرة، هو ما إذا كنا قد نرى نسخة من لحظة "جولديلوكس" هذه جارية؟
ضع في اعتبارك القصة المثيرة للفضول عن العملة المشفرة المسماة "تيثر". في الأعوام الأخيرة، أصدرت "تيثر"، التي يسيطر عليها مالكو بورصة عملات مشفرة تدعى "بيتفينيكس"، 69 مليار دولار، ما يسمى بـ"العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى" - وهي رموز رقمية مرتبطة بأصول أخرى مثل الدولار.
وهذا المبلغ، الذي توسع بسرعة هذا العام، يعني أن عملة "تيثر" تمثل نحو نصف إجمالي عالم العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى. ونظرا إلى استخدام العملة على نطاق واسع كطريقة ملائمة لتحويل الأصول الرقمية إلى نقد إلزامي "والعكس صحيح" وإجراء المعاملات بين المنصات المختلفة، فغالبا ما توصف بأنها العملة الاحتياطية لعالم التشفير.
ولكن سمعتها ليست مستقرة كما يوحي اسمها. قبل شباط (فبراير) 2019، ادعت الشركة أن الرموز كانت مدعومة بحيازات من الدولارات، ما مكنها من الحفاظ على سعر صرف متوافق. ومع ذلك، في وقت سابق من هذا العام، دفعت المجموعة غرامة قدرها 18.5 مليون دولار لمكتب المدعي العام في نيويورك كجزء من تسوية، بعد مزاعم من المدعي العام بأن "تيثر" "حجبت المخاطر الحقيقية التي يواجهها المستثمرون" باحتياطاتها قبل شباط (فبراير) 2019.
أضافت الشركة ملاحظة إلى موقعها على الإنترنت وقالت، إن الرمز المميز مدعوم بأصول آمنة شبيهة بالدولار، مثل أوراق تجارية أمريكية بقيمة 30 مليار دولار "ادعاء يشير إلى أنها سابع أكبر مشغل عالمي في هذا القطاع".
وزعم مقال نشرته "بلومبيرج" الأسبوع الماضي أن جزءا من أصول "تيثر" كان موجودا في السندات الصينية، وسط تدفقات مالية غير عادية بين الحسابات المصرفية الخارجية. وردا على ذلك، أصدرت الشركة نفيا شديدا بأنه لم يكن هناك أي شيء غير عادي، بحجة أن "شهادات التأكيد ربع السنوية (أخيرا في 30 حزيران "يونيو" 2021) تؤكد أن جميع رموز (تيثر) مدعومة بالكامل والأغلبية العظمى من الأوراق التجارية التي تحتفظ بها (تيثر) في A-2 وما فوق المصدرين المصنفين".
لا يبدو أن بعض مستثمري العملات المشفرة قلقون -ربما لأنهم يفترضون أن "تيثر" ستحتفظ بقيمتها طالما يستخدمها الجميع-. بينما انخفضت أسعار العملات المشفرة في البداية بعد مقالة "بلومبيرج"، إلا أنها انتعشت منذ ذلك الحين. لكن الإشاعات استمرت في الانتشار، وتعهد صانعو السياسة الدوليون الأسبوع الماضي بمزيد من الرقابة. وعدا أي شيء آخر، هذا يجعل قصة "تيثر" بمنزلة جرس إنذار.
هل يجب أن يهتم العالم المالي السائد؟ قد يجادل بعض المؤدين المتمرسين بالنفي. في النهاية، تعمل العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى حاليا إلى حد ما مثل رقائق البوكر لكازينو التشفير.
بينما تستخدم الرموز المميزة لإجراء صفقات داخل حدود أرض التشفير، لا يمكن استخدامها إلا هناك. نتيجة لذلك، لا يهم ما إذا كانت، مثلا، جزءا من مخطط هرمي، طالما أن هذا الكازينو مستقل بذاته - أو هكذا تقول الحجة المتفائلة.
لكن تبدو هذه الفكرة ساذجة أكثر فأكثر. لسبب واحد، يتم جذب المستثمرين والمؤسسات من التيار السائد بشكل متزايد إلى عالم التشفير، لأغراض الاستثمار، ولا شيء عدا ذلك. من ناحية أخرى، لدى السوق الآن نفوذ في أجزاء أخرى من التمويل، كما تظهر حيازات "تيثر" من الأوراق التجارية الأمريكية. قد يؤدي هذا إلى مخاطر انتقال العدوى، حسبما أشارت تصنيفات "فيتش" في تموز (يوليو) الماضي، خاصة إذا تم دمج هذه المنتجات مع نوع الرفع المالي الذي قد يثير طلبات تغطية الهامش في أزمة (وهو ما يحدث بشكل متزايد).
بينما تستخدم العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى حاليا في كازينو "مسور"، تأمل شركات مثل "فيسبوك" في إنشاء إصدارات من هذه الرموز المميزة في المستقبل التي سيكون لها استخدام كبير في السوق الواسعة وفي العالم الحقيقي. السوابق مهمة.
لذلك يحتاج المنظمون والمستثمرون إلى الانتباه لأجرس الإنذار. إحدى الخطوات الواضحة التي يجب أن يتخذها أي مستثمر أو مؤسسة من التيار السائد تخطو برفق إلى هذا العالم هي المطالبة بسياسات أفضل ومدققة حول الاحتياطيات. في الصين، يتم الاحتفاظ بالاحتياطيات التي تدعم منتجات التكنولوجيا المالية في البنك المركزي، وفي كينيا، يحتفظ منتج مثل إم- بيزا باحتياطيات في حساب استئماني. هناك حاجة إلى شيء شفاف مماثل لتيثر والعملات الرقمية الأخرى المربوطة بأصول أخرى.
والخطوة الثانية هي أن المنظمين بحاجة إلى زيادة الإشراف العالمي المنسق. لن يكون هذا سهلا، بالنظر إلى الطبيعة المتقلبة والمتحركة للفضاء السيبراني. علاوة على ذلك، حسبما لاحظ كلاس نوت، نائب رئيس مجلس الاستقرار المالي الأسبوع الماضي، يواجه المنظمون الماليون مشكلة صومعة صعبة، على الرغم من أن الهيئات مثل مجلس الاستقرار المالي ماهرة في مشاركة البيانات حول التدفقات المالية عبر الحدود، إلا أنها "ليس لديها نظير" في المجال الرقمي. وهذا مهم، نظرا لأن كثيرا من شركات التشفير تصف نفسها بأنها تعمل في "برمجيات".
إنه خبر جيد أن المنظمين قد تعهدوا بزيادة تدقيقهم، بل إنه موضع ترحيب أكبر أن يتم إيلاء اهتمام حاسم لشركات مثل "تيثر". نعم، قد يولول عشاق العملات المشفرة. ولكن دون وقوع بعض الحوادث والجدالات التي تبقي المستثمرين متيقظين، فقد تكون هناك كارثة أكبر. ربما حان موعد دق جرس إنذار خفيف.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES