FINANCIAL TIMES

تجارة النفط .. نافذة على تداولات «بريتيش بتروليوم» في إفريقيا

تجارة النفط .. نافذة على تداولات «بريتيش بتروليوم» في إفريقيا

محطة خدمة تابعة لشركة النفط الوطنية في نيجريا.

في الطابق الثاني من مبنى مكتبي منسي شرقي لندن، تهدد محكمة التوظيف بجر شركة بريتيش بتروليوم إلى جدل متنام حول تداول السلع واستخدام شركاء محليين لكسب الأعمال.
يزعم جوناثان زاريمبوك، الذي كان حتى عام 2018 تاجر النفط الرئيسي في غربي إفريقيا لمصلحة شركة بريتيش بتروليوم، أنه تم طرده العام الماضي عقب رفع "إشارات خطر" بشأن تعاملات الشركة البريطانية مع الشركات في المنطقة، بما في ذلك شركة ألسا للنفط والشحن النيجيرية.
توفر هذه القضية نافذة نادرة لأعمال تداول النفط السرية لشركة بريتيش بتروليوم والمخاطر التي يجب على التجار التفكير فيها عند العمل مع الوسطاء.
كتب مدير تنفيذي كبير في شركة بريتيش بتروليوم لزملائه في تجارة النفط عام 2017، وفقا للملفات المقدمة للمحكمة: "من الواضح أن شركة ألسا لا تقوم بدورها بالشكل الصحيح لكن ليس لدينا خيار وقد فات الأوان لإيجاد بديل".
عرضت شركة ألسا مساعدة شركة بريتيش بتروليوم لتأمين شحنات النفط الخام المرغوبة من شركة البترول الوطنية النيجيرية القوية، NNPC. كانت ألسا تريد في المقابل أن يتم دفع 0.20 دولار أمريكي لمصلحتها مقابل كل برميل و"رسوم ترتيب" مقدمة من شأنها أن تصل مجتمعة إلى ملايين الدولارات.
قال زاريمبوك في شهادته أمام المحكمة: "كان يبدو أن شركة بريتيش بتروليوم تفكر في دفع رسوم باهظة لوكيل يضيف القليل من القيمة أو لا يضيف قيمة على الإطلاق ولم نكن نثق به. لم يجتز الأمر اختبار ’الشم‘".
وبينما تعرف شركة بريتيش بتروليوم بشكل أفضل بإنتاجها ما يقارب مليوني برميل يوميا من حقول النفط الخاصة بها، فهي أيضا واحدة من أكبر التجار في العالم، وتوظف لذلك فرقا من الوكلاء مثل زاريمبوك، يبيعون ويشترون النفط الخام من أجل الربح.
قد تكون التجارة مربحة جدا لكن شركة بريتيش بتروليوم لا تصرح إلا بالقليل بشأن ذلك. كانت آخر مرة نشرت فيها تفاصيل إيرادات التجارة في نتائجها السنوية في عام 2005 عندما بلغت أرباحها من التعامل بالنفط والغاز والطاقة 2.97 مليار دولار. حقق فريق زاريمبوك المكون من أربعة تجار أرباحا بلغت 72 مليون دولار في عام 2016، حصل منها على مكافأة بلغت 3.75 مليون دولار، كما تظهر ملفات المحكمة.
وفقا لزاريمبوك، اعتادت شركة بريتيش بتروليوم على تقديم العطاءات في مناقصات النفط الخاصة بشركة النفط الوطنية النيجرية بشكل مباشر لكنها كانت غير ناجحة بشكل متكرر. وقد غير الفريق التجاري سياسته في عام 2016 وأمن أول شحنتين من النفط الخام من شركة النفط النيجرية في عام 2017 عقب الدفع لشريك محلي 0.50 دولار مقابل كل برميل، ما نتج عنه رسم إجمالي بلغ 900 ألف دولار، وفقا لملفات المحكمة.
مقابل 0.20 دولار أمريكي للبرميل، كان من الممكن أن تبلغ رسوم شركة ألسا لتسهيل صفقة التمويل المقترحة لعام 2017 بين شركة بريتيش بتروليوم وشركة النفط الوطنية النيجرية ما يقارب 14 مليون دولار على مدى سبعة أعوام. أظهرت الوثائق أن شركة بريتيش بتروليوم أرادت دفع ما لا يزيد على 0.10 دولار أمريكي للبرميل، وقررت في النهاية عدم استخدام شركة ألسا في الصفقة. قالت الشركة في ملفات المحكمة إنها دفعت لشركة ألسا في عام 2018 فيما يتعلق بصفقة أخرى لشركة النفط الوطنية النيجرية، مضيفة أن الدفع تم "وفقا لعقد ولم يكن لأغراض غير مشروعة".
لطالما استخدم تجار السلع العالمية شركاء محليين لمساعدتهم على العمل في البلدان الغنية بالموارد، لكن هذه الترتيبات تخضع لمزيد من التدقيق المتكرر من قبل المدعين العامين الدوليين.
اعترف تاجر عمل في مكتب شركة جلينكور للتعدين في غربي إفريقيا خلال أغلب العقدين الماضيين، أمام محكمة في الولايات المتحدة في تموز (يوليو) بأنه مذنب بسبب مضاعفة الرسوم المدفوعة لوسيط نيجيري ثلاث مرات بهدف دفع رشا لشركة النفط الوطنية في نيجريا مقابل درجات مواتية من النفط.
خلال العامين الماضيين أيضا توصلت كل من فيتول وجانفور إلى تسوية قضايا فساد في تجارة النفط، بينما تخضع شركة ترافيجورا لتحقيق في البرازيل.
أخبرت شركة بريتيش بتروليوم "فاينانشيال تايمز" أنها تستكمل الجوانب الواجب استكمالها بالنسبة إلى جميع الشركات التي تعمل معها كجزء من إطار الامتثال وعمليات الحوكمة. قالت: "تدافع شركة بريتيش بتروليوم بالكامل عن نفسها وتنفي كل الادعاءات التي قدمها المدعي في هذه المحكمة".
في ملفاتها القانونية، قالت شركة الطاقة الكبرى إن تحقيقا داخليا في عام 2019 وجد أن مزاعم زاريمبوك "لا أساس لها"، وأن رحيله عن الشركة حدث عقب "انهيار الثقة المتعذر إصلاحه" بين الموظف وصاحب العمل، وجهود غير ناجحة لإيجاد أدوار أخرى له. لم تستجيب شركة النفط الوطنية النيجرية وشركة ألسا لطلبات بالتعليق.
يأتي التدقيق في عمل قسم التداول في وقت حرج بالنسبة لشركة بريتيش بتروليوم، التي سعت تحت إشراف الرئيس التنفيذي، برنارد لوني، إلى تقليل اهتمام الجمهور بأعمالها النفطية المربحة للغاية في وقت تسعى فيه إلى التوجه بقوة نحو الطاقة الأكثر اخضرارا.
يقول ألكسندر جيليس، وهو خبير في قطاع النفط في معهد إدارة الموارد الطبيعية في المملكة المتحدة: "تقدم هذه القضية لمحة نادرة عن كيفية اختبار تحمل شركة بريتيش بتروليوم للمخاطر أحيانا من خلال أعمالها التجارية الضخمة في النفط". أضاف: "بدأت بعض شركات التداول بالكشف عن معلومات حول النفط الذي تشتريه من الشركات المملوكة من قبل الدولة مثل شركة النفط الوطنية النيجرية، لكن شركة بريتيش بتروليوم ليست من بينهم".
تظهر رسائل بريد إلكتروني تم الكشف عنها في القضية أهمية الشركاء المحليين في أعمال تجارة النفط في نيجيريا بالنسبة لشركة بريتيش بتروليوم والخيارات المعقدة التي ينطوي عليها الأمر، خاصة قبل الانتخابات، مثل الانتخابات الرئاسية في عام 2019.
كتب مدير تنفيذي في شركة بريتيش بتروليوم في نيجيريا إلى أعضاء من فريق النفط في آب (أغسطس) 2017: "إن قواعد الاشتباك تتغير باستمرار مع بدء التحضير للانتخابات في عام 2018، يمكننا توقع أن تكون بيئة مليئة بالتحديات بالنسبة للشركات الأجنبية مثل شركة بريتيش بتروليوم إذا لم يكن لدينا الشريك المناسب. والأهم من ذلك، سنحتاج إلى إيجاد شريك لنافذة عامين إلى ثلاثة لأن التداعيات السياسية لاعتبارك ’كالفراشة‘ السنوية قد تكون لها عواقب وخيمة".
كان أحد أسباب التركيز على تحديد الشركاء المحليين تشريع تم تمريره عام 2010 يلزم الشركات الدولية أن يكون لديها شركاء محليون عند ممارسة أنشطة معينة في قطاع النفط. استشهدت شركة بريتيش بتروليوم بالتشريع في ملفات المحكمة الخاصة بها، مشيرة إلى أنها فهمت أنه كان مطلوبا العمل مع شريك محلي لبعض المعاملات.
يقول منتقدو التشريع الذي كان يهدف إلى دعم مشاركة القطاع الخاص في نيجيريا، إنه سهّل أيضا نقل الثروة النفطية لأعضاء نخبة من الشركات الصغيرة ورعاتهم السياسيين. تظهر إفصاحات شركة النفط الوطنية النيجرية أن شركة بريتيش بتروليوم وجدت بالفعل شريكا نيجيريا جديدا. منذ عام 2020 على الأقل، عندما بدأت شركة النفط الوطنية النيجرية بنشر التفاصيل حول مبيعاتها من النفط الخام، كانت شركة بريتيش بتروليوم تشتري النفط عن طريق شراكة مع شركة طاقة محلية هي أيم شافا.
هذا العام، بموجب عقود مقايضة "البيع المباشر، الشراء المباشر" التي من خلالها تشتري الشركات النفط الخام من شركة النفط الوطنية النيجرية وتبيعه على شكل منتجات مكررة، تلقت شركة بريتيش بتروليوم وشركة أيم شافا ما يقارب 4.7 مليون برميل من النفط مقابل أقل من 309 مليون دولار، بحسب سجلات شركة النفط الوطنية النيجرية.
كذلك اشترت شركة ترافيجورا وشركة جانفور وشركة ميركوريا وشركة فيتول النفط الخام من شركة النفط الوطنية النيجرية هذا العام، وجميعها تعمل مع شريك محلي.
امتنعت شركة بريتيش بتروليوم عن التعليق على شروط الاتفاق ولم يتسن الوصول لشركة أيم شفا للتعليق. لكن زاريمبوك قال لزملائه في رسالة بريد إلكتروني في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، إن الشروط المقترحة تشمل "رسوم 0.30 دولار أمريكي وحصة أرباح بنسبة 50 في المائة".
كتب: "حصة الربح توجد ترتيب مشروع مشترك مناسب يجب أن يحفز شركة أيم للضغط نيابة عنا. الولاية القانونية في نيجيريا شديدة الخطورة ويحمل استخدام وكيل دائما بعض المخاطر لكنني أعتقد أننا في مكان جيد الآن".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES