FINANCIAL TIMES

تكاليف خفية لتحليل التكلفة والعائد

تكاليف خفية لتحليل التكلفة والعائد

بدأت عمود الأسبوع الماضي بتوضيح أن الحياة مليئة بالقرارات الصعبة. في مواجهة مثل هذه المعضلات يلجأ كثير منا إلى قائمة الإيجابيات والسلبيات. ولعل أشهر هذه القائمة هي تلك التي كتبها تشارلز داروين في تموز (يوليو) 1838، بينما كان يفكر في طلب الزواج من ابنة عمه، إيما ويدجوود.
تحت خانة "الزواج" كتب: "الأبناء - (إن شاء الله) - الرفيق الدائم (والصديق عند الشيخوخة) الذي سيشعر بالاهتمام ناحية الآخر (...) أفضل من كلب على أي حال (...) سحر الموسيقى وأحاديث الأنثى. هذه الأمور مفيدة لصحة المرء، لكنها خسارة فادحة للوقت".
وكتب تحت خانة "عدم الزواج": "حرية الذهاب إلى حيث يشاء المرء (...) محادثة الرجال الأذكياء في النوادي. غير مجبر على زيارة الأقارب والخضوع لكل شيء تافه. تحمل نفقة الأطفال وقلقهم. ربما الشجار وضياع الوقت".
في النهاية قرر أنه حتى بعد حساب "ضياع الوقت" مرتين، سحر "الزوجة اللطيفة الناعمة الجالسة على الأريكة" لا يمكن إنكاره. طلب تشارلز الزواج منها. قبلت إيما. لا أعرف ما إذا كانت قد كتبت قائمة قبل أن تقبل. أنجب الزوجان عشرة أطفال.
لدى الاقتصاديين نسختهم الخاصة من قائمة الإيجابيات والسلبيات، تسمى تحليل التكلفة والعائد. المبدأ مشابه جدا، على الرغم من أن الأمل هو أن تكون أكثر منهجية قليلا. داروين، مثلا، لم يحدد المزايا النسبية لمحادثة الرجال الأذكياء في النوادي وسحر الموسيقى وأحاديث الأنثى. بالنسبة لتحليل مناسب للتكلفة والعائد لا يفي ذلك بالغرض. قد تكون قيمة المحادثة الذكية ضعف قيمة أحاديث الأنثى، أو نصفها، لكن يجب تحديد القيمة النسبية. (الدولارات وحدة قياس مناسبة، لكن ما يهم هو أن ليس كل شيء يعطى قيمة بالدولار).
ظاهريا، يعد تحليل التكلفة والفائدة منطقيا جدا، ومناسبا بشكل مثير للإعجاب لتقرير ما إذا كان سيتم بناء جسر أو إلغاء لائحة تنظيمية. مع ذلك، تجادل مقالة جديدة في "مجلة تحليل الفوائد والتكاليف" Journal of Benefit-Cost Analysis كتبها بينت فلايفبيرج وديرك بيستر، بأن تحليل التكلفة والعائد "معيب".
فلايفبيرج وبيستر جمعا، وحللا، مجموعة بيانات تضم أكثر من ألفي مشروع عام - جسور ومبان وأنظمة نقل حافلات وسدود ومحطات طاقة وسكك حديدية وطرق وأنفاق. خلصا إلى أن التكاليف قد أسيء تقديرها بشكل منهجي. هذا صحيح بشكل عام بغض النظر عن وقت ومكان المشروع، أو نوعه. حتى مع السماح لهذا الميل للمشاريع بتجاوز الميزانية، هناك تجاوزات كارثية في التكلفة أكثر مما قد يتوقعه المرء. هناك بيانات أقل عن الفوائد، لكن هناك بعض الأدلة على المبالغة في تقدير الفوائد لمشاريع النقل العام، ولا يوجد دليل على أن التجاوزات الكبيرة في التكاليف يتم تعويضها بأي شكل من الأشكال بفوائد كبيرة بشكل مدهش.
هذه النتائج مثيرة للانتباه، إن لم تكن مفاجئة تماما. بينما يبذل كل من فلايفبيرج وبيستر قصارى جهدهما لتوضيح ذلك، يبقى "تجاوز التكلفة" ليس الوصف الصحيح تماما لما يحدث باستمرار. "سوء تقدير التكلفة" هو الوصف الأفضل. لا تكمن المشكلة في أن كل مهندس مشروع في العالم غير قادر على تنفيذ العمل وفق ميزانية معقولة، بل أن الميزانيات ليست معقولة. البنية التحتية التي نراها من حولنا ولدت من جداول بيانات وردية مصحوبة بجلبة وضجيج.
إذن، ما الهدف من تحليل التكلفة والعائد إذا كانت جميع التكاليف والفوائد التي يتم تحليلها لا قيمة لها؟ الجواب الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه، واعتذر لونستون تشرشل، هو أن تحليل التكلفة والعائد أسوأ أشكال تقييم القرارات، باستثناء جميع الأشكال الأخرى التي تمت تجربتها من وقت إلى آخر. تشمل البدائل صنع القرار من خلال HIPPO (رأي الشخص الأعلى أجرا) أو صنع القرار من خلال قول مأثور، أو من خلال أي استطلاعات جيدة مع أشخاص ربما لم يقضوا لحظة في التفكير في هذه المسألة. هذه ليست طرقا جيدة للتفكير في مشاريع بنية تحتية معقدة وطويلة الأجل أو لوائح تنظيمية واسعة التأثير.
في كتابه "ثورة التكلفة والفوائد" The Cost-Benefit Revolution، جادل كاس سنستين ـ أكاديمي ومسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ـ بأن تحليل التكلفة والعائد هو طريقة مفيدة لهيكلة صنع القرار، ما يجبرنا على التفكير بشكل منهجي وصياغة افتراضاتنا وطرح أسئلة جيدة وملاحظة أين تنقصنا الإجابات الجيدة. قد يكون هذا صحيحا. ومرة أخرى قد لا يكون كذلك. وجهة نظر أخرى تعتبر تحليل التكلفة والعائد عملية الصندوق الأسود التي تخفي الافتراضات غير الملائمة وتغلق النقاش.
أجد نفسي أتذكر أن تحليل التكلفة والعائد هو في حد ذاته نوع من الخوارزمية. جادلت الأسبوع الماضي بأن الخوارزميات تخدمنا بشكل أفضل عندما يتم تدقيقها واختبارها كما ينبغي. هذا صحيح بالتأكيد بالنسبة لتحليل التكلفة والعائد. فهو يجب أن يساعد على هيكلة عملية صنع القرار وإثراء النقاش العام، بدلا من تجاوزهما.
بعد أن جادلا بأن تحليل التكلفة والعائد "معيب"، يقترح فلايفبيرج وبيستر إصلاحه بدلا من استبداله - مثلا عن طريق تحسين دقة تقديرات التكلفة من خلال بيانات أفضل وعمليات تدقيق مستقلة وحوافز للأداء. أنا أتفق مع ذلك. الطريقة مفتوحة لإساءة الاستخدام لكنها قيمة جدا لدرجة لا يمكن تركها.
يبدو أن داروين، في النهاية، اتخذ قراره في فورة من المشاعر: "يا إلهي، لا يطاق التفكير في قضاء حياة كاملة، مثل نحلة محايدة، تعمل، تعمل، ولا شيء في النهاية".
ربما تكون هذه طريقة جيدة مثل أي طريقة لاتخاذ قرار بشأن الزواج. لكن إذا كان السؤال هو ما إذا كان يجب بناء خط سكة حديد عالي السرعة، أو رفض ذلك ومن ثم إصدار تأشيرات طارئة لسائقي الشاحنات، أو ترك كتلة تجارية كبيرة، فإن القرارات التي يتم اتخاذها في فورة من المشاعر قد تكون قرارات نجدها مدعاة للندم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES