الكل بلا استثناء يشكو من النسيان، تبحث عن جوالك وهو في يدك، ومفاتيح سيارتك التي للتو وضعتها على الطاولة. يذاكر بعض الطلبة طويلا، ولكن وقت الامتحان تتبخر المعلومات، ويتمنى الجميع أن لديهم ذاكرة حديدية، ولا يعلمون أن الله منحهم نعمة من فقدها فقد الراحة والسعادة والاطمئنان.
حتى الآن لا يعرف سوى 61 شخصا يمتلكون أو بالأصح يعانون ذاكرتهم الحديدية، حيث يتذكر الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من الذاكرة الأحداث والصور والتواريخ والمحادثات بتفاصيل دقيقة. وهم قادرون على استدعاء هذه الذكريات بسهولة، واحتار العلماء في تصنيفها، هل هي نعمة وموهبة أم اضطراب مرضي؟
وأخيرا صنفوه على أنه مرض يعرف باسم ذاكرة السيرة الذاتية أو فرط التذكر، نضحك ونسخر من بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم يتذكرون أعوام حياتهم الأولى، أي عندما كانوا في عمر العام أو العامين، ولكن الواقع يثبت كلامهم، تقول ريبيكا شاروك، "عندما كان عمري نحو أسبوع واحد، أتذكر أنني كنت ملفوفة بهذه البطانية القطنية ذات اللون الزهري. وكنت دائما أعرف أن أمي تحملني لسبب ما. لقد عرفت دوما بغريزتي أنها الإنسان المفضل لدي".
ما تقوله ريبيكيا مناف تماما للمتعارف عليه، وهو أن ذاكرة أغلب الناس تبدأ من سن الرابعة تقريبا، فهل نستطيع القول: إن ما تعانيه مجرد حنين للماضي تشكل في صورة أحلام يقظة، وليس ذكريات حقيقية؟! إن ما يدهش حقا، أن شاروك تتذكر كل ما مر بها في حياتها من أحداث، وبالتفصيل الدقيق، وكأنها تستعرض شريط فيديو سجل الأحداث بالصوت والصورة، كانت تعتقد أن الجميع مثلها يستطيعون تذكر كل شاردة وواردة مرت في حياتهم، إلى أن شاهدت برنامجا تلفزيونيا يصف الأشخاص أصحاب فرط التذكر بالمدهشين، حينها عرفت أنها واحدة من فئة قليلة من البشر تعاني هذه المتلازمة.
من خلال الدراسة التي شاركت بها شاروك وآخرون مثلها، يعتقد العلماء أن هذه المتلازمة ستعطي العالم فكرة غير مسبوقة عن الكيفية التي يرى بها الأطفال وحديثو الولادة العالم، الشيء الوحيد الذي لا تتذكره شاروك هو اليوم الذي خرجت فيه من رحم أمها والكيفية التي عاشت بها داخل رحم أمها، أما ما سوى ذلك، فتتذكره بوضوح.
والغريب أن أصحاب هذه الذاكرة الفولاذية لا يتميزون عن غيرهم دراسيا، بل إنه من الصعب عليهم الحفظ مثل الطلبة العاديين كما أنهم يعانون نفسيا وعقليا تراكم الذكريات السيئة والجيدة على حد سواء، إنهم يفتقدون النسيان. لذا يتم تدريبهم على كيفية السيطرة على ذكرياتهم، للحفاظ على نفسياتهم وعقولهم.
