Author

ليست رياضة فحسب .. صفقة رابحة

|

يواصل صندوق الاستثمارات العامة نشاطاته، وصفقاته الاستثمارية المتعددة، في جميع القطاعات المختلفة، والمتنوعة، وفق الخطط الموضوعة لذلك، ففي صفقة جديدة ومتميزة أخذت بعدا إعلاميا على مستوى العالم، خاصة في القارة الأوروبية، استحوذ الصندوق من خلال مجموعة استثمارية على نادي "نيوكاسل يونايتد" ذائع الصيت والتاريخ العريق بنسبة 100 في المائة. ورغم التأريخ التليد لهذا النادي الإنجليزي الذي يعود إلى عام 1892، وإنجازاته السابقة، إلا أن الصفقة تمثل منعطفا محوريا في دعم مسيرة النادي الرياضي، والمستقبل يعد بالكثير من خلال نشاطات النادي، وهو يعد من الأسماء اللامعة في بطولة الدوري الإنجليزي المعروف بقوته، إلى جانب أنه قبلة لكثير من نجوم كرة القدم العالميين، ويمثلون دولا كثيرة على مستوى العالم، ويزخر بعدد وافر من المحترفين الأجانب، وفيه أيضا أسماء مدربين لامعين ومخضرمين، ويتابعه ملايين المشجعين من دول العالم. ومن كل هذه النقاط والعوامل تتأسس صفقة استحواذ نادي نيوكاسل على أرض استثمارية خصبة، ذات أبعاد اقتصادية كبيرة.
وكما نعلم كيف اتجهت المنظومات الرياضية على مستوى العالم، من اتحادات، وأندية، نحو المشاريع الاستثمارية التي تدر عوائد مالية كبيرة لها، رافعة شعار أن قطاع الرياضة أصبح صناعة، ومجالا اقتصاديا رحبا ومتعدد النشاطات الاستثمارية. ويلاحظ من فترة لأخرى الأرقام التي تسجل عن ملايين الدولارات التي تحقق من بوابات الأندية الرياضية، خاصة كرة القدم وكيف نرى في عالم اليوم الصفقات المدوية لتسجيل اللاعبين، في ظل الانتقال، والاحتراف المفتوح. فالمجموعة الاستثمارية بقيادة الصندوق عازمة على صياغة استراتيجية طويلة المدى للنادي العريق الذي يعد أحد أهم العلامات التجارية في العالم، بما يحافظ على قوة تلك العلامة الرياضة، ومكتسباتها، وبناء فريق ناجح، ينافس في البطولات المحلية، والقارية العالمية الكبرى.
وأصبح واضحا اليوم وبعد أحداث الأزمة العالمية الكبرى أن الاندماج بين الصناديق السيادية التي تخضع لمعايير ومؤشرات الأداء المنضبط، وطموح القطاع الخاص الذي يقوده البحث عن الثروة، والتراكم الرأسمالي هو المسار الذي يمكنها من قيادة المجتمعات في المستقبل، ولهذا يتسابق المستثمرون من القطاع الخاص للفوز بفرصة التحالف مع مؤسسات اقتصادية ذات رؤية استراتيجية واضحة، وعمل استثماري واقتصادي منضبط.
صندوق الاستثمارات العامة يعد أحد الصناديق العشرة الكبار في العالم، وأصبحت صفقاته محل متابعة واهتمام عالمي، التي قفزت جميعها بعوائد الصندوق من 2 في المائة قبل إعادة هيكلته بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد لتتجاوز 8 في المائة عند المتوسط، وقفز رأسمال الصندوق من 570 مليار ريال عام 2015 إلى ما يزيد على 1.5 تريليون ريال عام 2020، في خطة استراتيجية واضحة، للوصول به إلى أكثر من أربعة تريليونات ريال بحلول عام 2025.
ويواصل برنامج صندوق الاستثمارات العامة طموحاته بخطى ثابتة نحو مضاعفة أصوله، ليكون أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم والشريك الاستثماري المفضل، مع التزامات معلنة بضخ ما لا يقل عن 150 مليارا في الاقتصاد المحلي سنويا في مشاريع جديدة، حتى عام 2025. كما يستهدف الصندوق رفع نسبة المحتوى المحلي في الصندوق والشركات التابعة له إلى 60 في المائة، واستحداث أكثر من 1.8 مليون وظيفة تراكميا بنهاية عام 2025، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بقيمة 1.2 تريليون ريال تراكميا بنهاية عام 2025.
الصفقات الناجحة والمتتالية للصندوق أثبتت منذ إعادة هيكلته عام 2015، أنه الشريك المفضل والمميز عالميا، فالنجاحات التي حققها في القطاعات التكنولوجية المتقدمة من خلال صندوق رؤية سوفت بنك الذي حقق أرباحا قياسية أخيرا، أو من خلال قطاع الطاقة المستجدة، وكذلك النجاح الكبير لطرح شركة لوسيد للسيارات الكهربائية لتقترب قيمة الشركة السوقية من 40 مليار دولار، وترتفع مكاسب صندوق الاستثمارات إلى 22 مليار دولار من استثماره في «لوسيد» بعد إدراجها تعكس استراتيجية الصندوق في قراءة الفرص الاستثمارية المستقبلية، ومع ذلك فإن عملية الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد تعد خطوة جديدة ذات أبعاد مستقبلية أخرى.
الصفقة بحد ذاتها تعد لها أهمية استراتيجية للصندوق، نظرا إلى ضرورة بناء محفظة متنوعة عبر استثمارات ترسم تدفقات نقدية صافية، ذات صفة طويلة المدى، بالنظر إلى أن قطاع الرياضة لم يزل قطاعا منتجا للنقد بشكل كبير، فالعلامات التجارية الرياضية تحقق مبيعات كبيرة عالميا في ظل انتشار الشركات العاملة في هذا المجال، وتسمح بالدخول في قطاعات ثانوية ذات علاقة مثل قطاع الملابس الرياضية، وقطاعات الأجهزة الرياضية وتقنياتها، وهذه العلامات التجارية لها سلسلة متاجر مرتبطة سواء على مستوى أسواق العالم وهي قادرة على التأقلم الجيد مع تقلبات الأسواق، وتقنيات التجارة الإلكترونية، ما يبقي حظوظها عالية في كل الظروف، طبعا بخلاف حقوق البث والحضور الجماهيري الذي يمنح استدامة منفعية استثمارية طالما أن النادي الرياضي يحقق نتائج جيدة، ويسابق دوما على منصات التتويج.
ولهذا فإن استحواذ صندوق الاستثمارات العامة سيضمن للنادي الإنجليزي وجود قاعدة، ورؤية استراتيجية، واستثمارات حقيقية، تدفعه وتضعه على منصات التتويج العالمية ليصبح في مقدمة الأندية المشهورة، وتحت أعين الشركات والمستثمرين الذين يبحثون عن مضاعفة استثماراتهم في القطاع الرياضي بمختلف أشكاله، ونشاطاته. كما تتوسع قاعدة النادي الجماهيرية تلقائيا في ظل هذا الوضع المتميز، وبالتالي يصبح محط الأنظار إعلاميا، ومن ثم من قبل الشركات الراعية التي تهتم برعاية النجوم، واستخدام شعار نيوكاسل في مجالات، ونشاطات تسويقية متنوعة.

إنشرها