Author

الرياض والقاهرة .. ربط استراتيجي

|

يشكل مشروع الربط الكهربائي الذي وقعته المملكة مع مصر، بعدا محوريا أساسيا من عدة جهات وأطراف. إنه يأتي ضمن سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم التي وقعت بين الرياض والقاهرة خلال الفترة الماضية، ولا سيما مذكرة التفاهم التي تمت بهذا الخصوص بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في دلالة واضحة على الأهمية التي توليها القيادتان في كل من الرياض والقاهرة لهذا المشروع الحيوي والتنموي.
وهذا المشروع يدخل في صلب مخططات ومشاريع رؤية المملكة 2030، فضلا عن كونه يمثل نواة قوية لربط عربي مشترك، ضمن المسارات التنموية في هذه المنطقة كلها. ويدعم بالطبع التوجهات التنموية في كلا البلدين. مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر، انطلاقة أخرى جديدة نحو آفاق تحاكي العلاقات الإقليمية الاستراتيجية، فضلا عن المسارات التنموية المشار إليها.
ومن المزايا الأهم أيضا لمشروع الربط الكهربائي المشار إليه، أنه يمثل ارتباطا قويا بين أكبر شبكتين كهربائيتين في المنطقة كلها ومن أكبر الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط، وسينعكس "وفق المسؤولين المباشرين عنه" على استقرار وزيادة اعتمادية التغذية الكهربائية بين البلدين، إلى جانب المردود الاقتصادي والتنموي، لتبادل ثلاثة آلاف ميجاواط من الكهرباء، وفق احتياجات الطرفين من الخدمات الكهربائية. وعلى صعيد استدامة الإمدادات الكهربائية وضمان تدفقها، فإن مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر، هو أيضا بمنزلة صمام أمان للشبكتين لمواجهة طبيعة عدم استقرار الطاقة المتجددة بأنواعها. وإنه مشروع استراتيجي بين دولتين شقيقتين تجمعهما علاقات متينة تستند إلى أسس واقعية وعملية، تدعم التوجهات التنموية لديهما، إلى جانب توسيع نطاقه في مرحلة لاحقة ليشمل المنطقة بأسرها، كما يؤسس لمشاريع شبيهة في هذا القطاع، بما يتوافق أيضا مع مستهدفات "رؤية المملكة".
فالسعودية تمتلك أكبر شبكة كهربائية متطورة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما يؤهلها لأن تكون مستقبلا مركزا إقليميا لتبادل طاقة الكهرباء عبر مشاريع الربط مع دول المنطقة، الأمر الذي سيسهم حتما في تعزيز السوق الإقليمية لتجارة الكهرباء. مع ضرورة الإشارة إلى أن السعودية تمضي قدما في تسريع مشاريعها الهادفة إلى إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر نظيفة، عبر اعتمادها ضمن استراتيجيتها، المسار الأخضر لاقتصادها واقتصاد المنطقة كلها. والمملكة قادرة بالفعل، في ظل هذه الإمكانات وغيرها، على أن تكون مركزا في مجال الطاقة الكهربائية، ليس فقط من خلال الاستثمارات التي رصدتها في هذا المجال، ولكن من جهة البعد الاستراتيجي لها على المنطقة والعالم أجمع. فالمشروع الذي تم التوقيع عليه تبلغ قيمته 1.8 مليار دولار، ويشمل الكابلات والخدمات المساندة وخطوط النقل الهوائية التي يصل طولها إلى 1350 كيلو مترا، بينما يصل امتداد الكابلات البحرية إلى 22 كيلو مترا.
وهناك استثمارات أخرى مرصودة في هذا المجال، ما يعزز في الواقع التوجهات الخليجية كلها إلى الربط الكهربائي. فهيئة الربط الكهربائي الخليجي وضعت خطة ذات جدوى اقتصادية وفنية للربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين كل من قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا. وإن هذه الخطة تهدف أساسا إلى توفير استدامة الطاقة للدول الأعضاء، وتحقيق وفر اقتصادي من خلال التبادل التجاري للطاقة الكهربائية. وفي حال الانتهاء من تنفيذ المخطط المشار إليه، فسيكون مدعوما بصورة تلقائية من مشروع الربط الكهربائي الحالي بين المملكة ومصر. ومشاريع الربط الكهربائي عموما، توفر عوائد مثمرة على مختلف الأصعدة، بما في ذلك الجانب البيئي الذي بات يشكل محورا رئيسا للحراك الاقتصادي التنموي العالمي. إن مشروع الربط بين السعودية ومصر، يعد خطوة اقتصادية نحو تحقيق مستهدفات التنمية عبر استغلال الطاقة الكهربائية إلى آخر مدى، وبأعلى المعايير المطلوبة.

إنشرها