Author

تحول الطاقة .. طريق لا يحفه الورد «2»

|
مختص في شؤون الطاقة
ذكرت في المقال السابق أن مزيج الطاقة ضرورة ملحة للحفاظ على المصادر الناضبة منها، وللحفاظ على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته الكارثية لا قدر الله. وأوضحت أن العلاقة بين مصادر الطاقة هي علاقة تكاملية، وليس من الموضوعية في شيء أن يسعى البعض لشيطنة الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط.
أعتقد جازما أن العالم كان وما زال وسيبقى متعطشا لكل أنواع الطاقة باختلاف مصادرها، فالنمو في شتى المجالات مطرد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننادي بضرورة الأمن الطاقي العالمي وموثوقية الإمداد، ومن المنبر ذاته ننادي بالتخلص من أهم مصادر الطاقة والسعي إلى تقويض صناعة المنبع والاستثمار في أنشطة النفط والغاز! الواقع الذي تحاول بعض الجهات وبعض مكاتب الخبرة ومراكز الدراسات العالمية تجاهله، هو أن هذا التوجه وأعني هنا محاربة الوقود الأحفوري والمبالغة غير الموضوعية حول إحلال مصادر الطاقة الأخرى، سيصطدم بالواقع، بل إنه اصطدم فعلا والشواهد كثيرة! لا يخفى على كل مطلع أن أوروبا تعاني حاليا ضعفا في إمدادات الغاز لتدفئة المنازل وتشغيل بعض المصانع والمنشآت الأخرى بسبب دخول فصل الشتاء وزيادة الطلب عليه وارتفاع أسعاره.
بريطانيا تواجه مشكلة حقيقية في سلاسل إمداد الوقود التي أدت إلى نفاده من المحطات بسبب نقص عدد كبير من سائقي الشاحنات.
هذا الحدث ليس هامشيا بعيدا عن نقص عدد سائقي الشاحنات، إلا أنه يوضح لمن على أعينهم غشاوة أن الأمر إذا تعلق بمنتج حيوي واستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، فإن الجيش سيتدخل لحل هذه المعضلة والسيطرة عليها! أجد من الضرورة تسليط الضوء على تصريح أمين عام "أوبك" الذي ذكر فيه أن العالم ليس باستطاعته تحمل نقص الاستثمار في النفط، وحذر من أن الفترات الأخيرة التي شهدت نقص الاستثمار في هذا القطاع تهدد بصدمات سعرية وفقر في الطاقة للدول النامية.
في رأيي أن تصريحات "أوبك" هي التصريحات الأكثر موضوعية، والأكثر اتزانا في قراءة المشهد الحالي لقطاع الطاقة ومستقبله، خلافا لبعض الدراسات الاستشرافية التي أجدها بعيدة كل البعد في توقعاتها المستقبلية. مبالغة عجيبة حول مستقبل السيارات الكهربائية التي قد لا تتجاوز حصتها 25 في المائة من إجمالي السيارات عالميا في 2045! إضافة إلى تسطيح قضية إحلال مصادر الطاقة المتجددة وغض الطرف عن العقبات التي تواجه هذه الصناعة من النواحي الفنية والبيئية وغيرها. أعتقد أن الطاقة المتجددة هي طاقة مكملة وليست بديلة كما يريد البعض تصويرها، وعليه يجب أن نقف عند حقيقة أن مزيج الطاقة هو الحل الأجدى للعالم بأسره برفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء. إضاعة الوقت والجهد والمال في تبني أجندات تحركها دوافع سياسية أو مصالح شخصية ليس من الحكمة في شيء، ولو أنفقت هذه الأموال والجهد على مراكز الأبحاث لخدمة هذا القطاع فيما يخدم الإنسان والآلة والبيئة لكان أجدى وأكثر عقلانية.
تقول "جولدمان ساكس" تعليقا على أزمة الطاقة الحالية "ما يحدث الآن هو انتقام من الاقتصاد القديم"! ما يعني أن تهميش الاستثمار في أنشطة النفط والغاز سيؤدي إلى أزمة طاقة حقيقية في المستقبل ستلقي بظلالها على الجميع.
إنشرها