Author

العدادات الذكية وملكية البيانات

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تحدثنا في مقال سابق عن مزايا العدادات الذكية سواء إلى العملاء أو مقدم الخدمة أو المجتمع. والآن دعونا نر التجربة البريطانية، حيث فطنت المملكة المتحدة إلى أهداف العدادات الذكية المتمثلة في تمكين العملاء من فهم ومعرفة ما يستهلكونه من طاقة كهربائية وأوقات الاستهلاك إضافة إلى المساعدة على ضبط وترشيد الاستهلاك وتقييم تكاليفه. كما رأت أن العدادات الذكية تعد أفضل وسيلة لتنفيذ برامج إدارة الطلب من خلال بياناتها بشكل أفضل ووضع تعريفات وأدوات لإقناع المستهلكين بضبط استهلاكاتهم وفتراتها. لقد التزمت المملكة المتحدة منذ أكثر من عشرة أعوام تقريبا بتركيب 80 في المائة من العدادات الذكية "مع التركيز على الكهرباء" بحلول 2020، لأنها كانت عضوا في الاتحاد الأوروبي آنذاك وتمسكت بهذا الهدف حتى بعد الخروج منه. وفي 2012، نشرت وزارة الطاقة وتغير المناخ البريطانية Department of Energy and Climate Change نظام القياس الذكي Smart Metering Policy ، الذي ينص على قيام شركات الطاقة، أو مقدمي الطاقة بالتجزئة، بتركيب 53 مليون عداد غاز وكهرباء في 30 مليون عقار. وفرضت الوزارة تركيب العدادات الذكية على موردي الطاقة بالتجزئة، بما في ذلك تحمل التكاليف ولم يقدم أي حافز للمستهلك. بدأ المشروع فعليا في 2015، ولكن تم تركيب 17 مليون عداد ذكي فقط في منتصف 2019 بمعدل 32 في المائة، ويرتبط هذا المعدل المنخفض بعدم وجود حافز مشجع للمستهلكين لتركيب عداد ذكي في منازلهم. قام منظم الغاز والكهرباءOffice of Gas and Electricity Markets بفرض غرامات على مقدمي الطاقة بالتجزئة لفشلهم في تحقيق الهدف المطلوب، وقررت المملكة المتحدة تأجيل التركيب النهائي إلى 2024، بينما قدمت بعض الشركات تعريفات أكثر جاذبية لتحفيز العملاء ولكن أدى ذلك إلى اتهامات متباينة بتسلط مقدمي الطاقة على العملاء لإجبارهم على تركيب العدادات الذكية. تبرز لنا سلبيات كثيرة من هذه التجربة منها تأخر المشروع وعدم قبوله لدى أغلبية العملاء، ويبدو أن المملكة المتحدة لم تستفد من تجربة شركة باسيفيك للغاز والكهرباء الأمريكية التي تحدثنا عنها آنفا.
نأتي إلى بيت القصيد من التجربة البريطانية فيما يتعلق بملكية البيانات، حيث تنص السياسة ذات العلاقة على أن العملاء يمتلكون بياناتهم ولكن يمكن لمقدمي الطاقة الوصول إلى البيانات الفردية ما لم يختر المستهلك عدم مشاركة البيانات، ولمقدم الطاقة الحق في إمكانية الوصول إلى البيانات من أجل الفوترة وتقييم التكاليف فقط. ونرى أن هذا التوجه غير سليم، فعلى الرغم من أحقية العملاء في الحصول على معلومات الاستهلاك الخاصة بهم، نعتقد أنه يحق لمقدم الخدمة تملك بيانات الاستهلاك من غير الاستشهاد بعميل بذاته ويجب على مقدم الخدمة الحفاظ على أمن وسرية بيانات العميل وحمايتها. وأيضا تكمن ملكية بيانات الاستهلاك في إعداد لوائح منع اختراق البيانات، بما يحتم على مقدم الخدمة التعاون مع الجهات التنظيمية لسن لوائح ملكية البيانات والحفاظ عليها. تعد التجربة البريطانية في تركيب العدادات الذكية غنية بالدروس والعبر، وقد تفادت التجربة السعودية سلبيات ما حدث في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن بعض الشركات البريطانية بدأت في الاستفادة من البيانات المتوافرة من العدادات الذكية في تسويق تعريفات خاصة، فلا يزال الوقت مبكرا لقياس مدى نجاح البرنامج. ختاما، تعد العدادات الذكية مجالا خصبا ذا فوائد متعددة إلى العميل ومقدم الخدمة والمجتمع، وتظل ملكية البيانات وأمنها والحفاظ عليها من القضايا الشائكة التي تستوجب إصدار لوائح وتشريعات تنظم العمل بها، ولعل نظام حماية البيانات الشخصية المقر أخيرا من مجلس الوزراء يخدم هذا التوجه كثيرا.

إنشرها