Author

صيادون في الوحل

|
يقول الدكتور مصطفى محمود، "أعان الله أصحاب الظنون السيئة، فهناك مسافة طويلة جدا بينهم وبين أصحاب الراحة".
حين تتأمل الأحوال المختلفة والظروف المتنوعة التي قد تمر عليك في حياتك فستدرك أن هناك ظرفا ما سيخرجك عن تلك الصورة العقلانية التي عرفك الآخرون بها، وستعلم أن كل ما قدمته من جميل وإلهام وخدمة للغير قد ذهب سدى وتم نسفه في لحظة ما، وكأنك ما فعلت خيرا قط. الإشكالية لا تكمن فيمن يقول رأيه، فأفواه الآخرين وأقلامهم لا سلطان لنا عليهم، وإن كان الانفعال والغضب والتهجم هو شعار البعض، لكن الإشكالية في الصيادين الذين يهرعون إلى سناراتهم ويرمونها بعيدا في أعماق الوحل، ويشحنون الناس لا مناصرة لقضية يؤمنون بها ولا إقرارا منهم لصدق موقفهم ولا تأييدا لآرائهم، بل لأنهم يعتقدون أن هذه فرصتهم لتحقيق مكسب شخصي، ومجد يصنعونه فوق أشلاء الأطراف المتخاصمة.
الصيادون في الوحل لو دققت جيدا فسترى لهم بصمة في كل مجلس ومحفل ومناسبة، فيما مضى كانوا يجيدون التخفي ويعتمدون على الأساليب المتوارية ويرتدون أقنعة لا تكشف نياتهم أمام العامة، فيفسدون بين الأحبة المتخاصمين وبين الأزواج الغاضبين من بعضهم وبين الرؤساء والمرؤوسين ... إلخ.
اليوم ظهر لنا نوع آخر من الجينات المتحولة لهؤلاء الصيادين في الوحل، وهم المتسلقون في وسائل التواصل الاجتماعي، التي أدعو الله ألا يكون أحدكم من ضحاياهم يوما ما، هم مثل النباتات المتسلقة لا يمكن أن تمتد إلى الأعلى إلا حين تلتف أغصانها على أغصان الأشجار التي بجانبها، تتحفز خلاياهم المتعطشة للظهور الإعلامي عند أي حدث يقع، فيندفعون إلى تحقيق مكسب شخصي لهم من خلال نفخ الرماد وتأجيج الرأي العام والظهور بمظهر النبلاء الذين لا يرضون بالخطيئة ولا "الحال المايل"، وفي حقيقة الأمر هم يقيمون حفلة تسلق مجيدة، على غرار تلك الحفلات المخيفة لآكلي لحوم البشر التي يشعلون النار وسط دائرة كبيرة، ثم يتراقصون بحركات شيطانية قبل أن يتلذذوا بسلخ ضحيتهم وأكل لحمه بكل وحشية.
لكن مهما بلغت براعتهم في خداع الآخرين فيوما ما سيسقطون وستنكشف حيلهم التي خدعوهم بها، وسيغوصون في عمق الوحل الذي حاولوا أن يصطادوا فيه، ولحظتها لن يجدوا يدا تمتد إليهم لتنقذهم، فالوحل لا يقف على شاطئه إلا المتسلقون.
وخزة:
لا تثق في متسلق يبني مجده على معاناة الآخرين.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها