FINANCIAL TIMES

إما أن تتجنب الصين وإما أن تكون مستثمرا لديها

إما أن تتجنب الصين وإما أن تكون مستثمرا لديها

اتساع الانقسام في وول ستريت حول جدوى توظيف الأموال في الصين.

اندلع خلاف بين اثنين من أبرز المستثمرين في العالم هذا الأسبوع، ما يعكس اتساع الانقسام في وول ستريت حول جدوى توظيف الأموال في الصين.
فقد كان مديرو الصناديق يشعرون بالانتعاش حول ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ أن أطلق الرئيس شي جينبينغ وابلا من القوانين التنظيمية على مدى الأشهر العشرة الماضية ضد قطاعات تراوح من التعليم إلى ألعاب الفيديو. وقضت هذه التحركات على ما يقرب من نصف قيمة سلة غولدمان ساكس للأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة من الذروة التي وصلت إليها في أوائل عام 2021، التي أوقفت تدفق إدراج الشركات الصينية في نيويورك الذي كان ينبض بالحياة في وقت من الأوقات.
لكن هذا الأسبوع قد ألقى بالخلاف إلى العلن عندما أعلنت شركة بلاك روك، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، الأربعاء الماضي أنها جمعت مبلغ مليار دولار لتضعه في أول صندوق استثمار مشترك لها في الصين، والتي أغوتها فرصة الاستفادة من سوق الادخار المتنامية في البلاد. لكن قبل ذلك بيوم واحد فقط، كتب الممول الملياردير جورج سوروس في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن انتقال شركة بلاك روك إلى الصين كان "خطأ مأساويا".
وقال مدير صندوق التحوط السابق الشهير، البالغ من العمر 91 عاما، إن "بلاك روك على خطأ"، بعد أن حذر في السابق من أن المستثمرين في الصين يواجهون "صحوة وقحة" لأن الرئيس "شي يعد جميع الشركات الصينية أدوات تعمل لمصلحة دولة الحزب الواحد".
وقد قام المديرون الذين يديرون صناديق الأسهم العالمية النشطة بتخفيض مخصصاتهم في كل من الصين وهونج كونج إلى أدنى مستوى لها في أربعة أعوام، وفقا لأبحاث شركة تزويد البيانات "كوبلي فند". وبالنظر إلى عينة تتكون من 381 صندوقا بأصول تزيد على تريليون دولار، استنتجت شركة كوبلي أن ما يزيد قليلا على الربع يستحوذ الآن على أسهم صينية ومن هونج كونج أكثر من المؤشر العالمي القياسي. وفي أوائل عام 2015، امتلك 45 في المائة من المستثمرين مثل هذه الرهانات الضخمة على الصين.
وقال أحد مديري صناديق التحوط في لندن، "أنت لا تعرف من أجل ماذا تدار هذه الشركات الصينية - هل هي من أجل الأرباح أم من أجل الحكومة". وعقب قائلا، "لا توجد سيادة للقانون هنا. فإما أن تتجنب الصين، وإما أنك ستكون مستثمرا عميلا لها".
كاثي وود، الرئيسة التنفيذية لشركة آرك إنفيست وأحد المستثمرين الأكثر متابعة، قالت إلى جمهور من مديري صناديق التمويل المؤسسية الخميس الماضي، إن صندوقها قد قلص استثماراته في الصين "بشكل كبير" منذ أواخر العام الماضي.
وقالت أيضا إن السلطات الصينية تركز الآن على القضايا الاجتماعية والهندسة الاجتماعية على حساب أسواق رأس المال. وتحتوي محفظتها حاليا على أسهم في الصين فقط من تلك الشركات التي "تغازل" بكين.
تعكس مخاوف المستثمرين الأجانب فترة عشرة أشهر في الصين تميزت بسلسلة من الهجمات المفاجئة من قبل الرئيس شي على صعيد الشركات والاقتصاد. وقد خلقت هذه التدخلات القاسية غير المتوقعة إحساسا بعدم القدرة على التنبؤ لدرجة أن بعض المستثمرين والمحللين قالوا إن من شأن هذا الأمر أن يجعل أسواق الصين الشاسعة لا تصلح للاستثمار فيها بشكل فعال.
ولم يبق أي قطاع تقريبا بمنأى عن حملة "الازدهار المشترك" التي شنها الحزب الشيوعي، التي شملت الانقضاض على أكبر شركات التكنولوجيا في الصين وعلى المضاربة العقارية، وفرضت قيودا صارمة على مقدار الوقت المسموح فيه للناشئين باستخدام ألعاب الفيديو، وفرضت حظرا على قطاع التعليم الربحي.
وأشارت السلطات الصينية أيضا إلى أنها قد تشدد القيود على ما يسمى بالكيانات ذات المصالح المتغيرة - وهي هياكل قانونية تشكل أساس ما قيمته اثنان تريليون دولار من أسهم البلاد في الأسواق الأمريكية. حيث عملت هذه الكيانات كأدوات لتسهيل الاستثمار الأجنبي في شركات مثل علي بابا وتنسنت.
وجاء التطور الأخير في منتصف شهر آب (أغسطس) الماضي عندما أعلنت لجنة في الحزب الشيوعي أنه من الضروري "تنظيم الدخول المرتفعة جدا"، الأمر الذي حفز موجة من التبرعات الخيرية والتعهدات من قبل رواد الأعمال في القطاع الخاص لإظهار امتثالهم للأولويات في السياسة. كما تراجعت أسهم أكبر شركات البضائع الفاخرة في العالم، التي شحذت الصين نموها بشكل فائق، بسبب النفور الواضح من هذا الاستهلاك الصارخ.
لكن فيما قام بعض المستثمرين الأجانب بحزم أمتعتهم، فإن الآخرين - كثيرا منهم قد ضخوا أعواما من الاستثمار في البلاد - ما زالوا صامدين.
قال راي داليو، مؤسس شركة بريدج ووتر أسوشييتس، التي تعد أكبر صندوق تحوط في العالم، في إحدى المناسبات في "بلومبيرج" الأربعاء الماضي، إن الصين وسنغافورة هما "جزء من العالم لا يمكن لأحد إهمالهما وذلك ليس فقط بسبب الفرص التي توفرانها، ولكنك لأنك ستفقد الإثارة إذا لم تكن موجودا فيهما".
ويقر أولئك الذين لديهم نظرة أكثر تفاؤلا بوجود المخاطر السياسية التي لا يمكن التنبؤ بها ولكنهم يؤكدون أن التدخل التنظيمي من قبل السلطات الصينية ليس أمرا جديدا، وأن الجانب السلبي فيه تفوقه حكاية التفاؤل بزيادة أعداد المستهلكين الأثرياء في المدى الطويل.
لا يفكر مديرو الصناديق في الاستثمار في الأصول الصينية فقط. بل يفكرون أيضا في كيفية تقديم خدماتهم للمستهلكين هناك أيضا. وإلى جانب شركة بلاك روك، يدفع المستثمرون الأجانب، بمن فيهم جي بي مورغان أسيت مانيجمنت وغولدمان ساكس أسيت مانيجمنت في الولايات المتحدة، وكل من شركتي أموندي وشرودر في أوروبا، إلى الارتباط بالصين من خلال مشاريع مشتركة لإدارة الثروات.
وقالت شركة بلاك روك في بيان، إنها تريد تقديم "خبراتنا ومنتجاتنا وخدماتنا في نظام التقاعد" إلى الصين، التي "تتخذ تدابير لمعالجة أزمة التقاعد المتنامية لديها". بينما امتنعت عن التعليق على انتقادات سوروس.
ومن منظور استثماري، يقول مديرو الصناديق الذين يتمسكون بالصين إن استراتيجيتهم تحاول أن تتجاوز الضوضاء السياسية من أجل تحديد القطاعات التي تتماشى مع الأهداف المعلنة للحزب الشيوعي، وتحديد الشركات التي انخفضت تقييماتها مقارنة بمواقعها التنافسية ونظرائها في الولايات المتحدة أو أوروبا.
وقال أندرو لو، رئيس المكتب الإقليمي في آسيا والمحيط الهادي في شركة إنفيسكو، التي تدير أصولا بقيمة 1.5 تريليون دولار، "تظل إنفيسكو متفائلة بشأن الفرصة المتاحة في الصين لأننا نعتقد أنها ستكون في وضع نماء سيستمر أعواما عديدة". وهي تزيد من مقدار الأموال التي تستثمرها في الأوراق المالية الصينية وتزيد من عدد المحللين المتخصصين لديها في شركات التكنولوجيا في البلاد.
وأضاف "إن الصين لم تنقلب على رجال الأعمال والرأسماليين... بل لا تزال ملتزمة بسوق رأس مال محلية سليمة وتريد أن يكون في القطاع الخاص لديهم ابتكار مزدهر". إن التدخلات التنظيمية الأخيرة تحاول معالجة مشكلة الاحتكار في شركات التكنولوجيا وشركات التعليم الربحية لمصلحة النمو والرفاهية الاجتماعية على المدى الطويل.
وأضاف لو أن القمع التنظيمي الواقع على عمالقة التكنولوجيا الصينيين "قد يعني أن مزيدا من الشركات الصغيرة والابتكارية قد تكون قادرة على الدخول في السوق وتوفير ساحة لعب أكثر عدلا وتوازنا، فنحن نتوقع مزيدا من الإدراجات والابتكار".
وهناك آخرون مصممون بشكل مشابه على التمسك بالاستثمارات لأن سياسة "الازدهار المشترك" ستبشر بمزيد من النمو في قطاع الاستهلاك الصيني. حيث قال مارك مارتيروسيان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبري كابيتال مانيجمنت، وهي شركة مقرها إدنبرة، وتبلغ قيمتها 1.6 مليار دولار، "سينضم مئات الملايين من الناس إلى صفوف الطبقات المتوسطة المنفقة في الأعوام القليلة المقبلة". وأكمل قائلا، "إذا تمكنت من العثور على شركات ذات خنادق تنافسية كبيرة يمكنها الاستفادة من ذلك، فإنه لا يزال بإمكانك جني الأموال الطائلة".
وتتمثل استراتيجية أخرى، مثل تلك التي تتبعها شركة آرك وود، في محاولة الانسجام مع أهداف الحكومة. وقال جاك دواير، الذي كان يعمل سابقا في سوروس فند مانيجمنت، الذي يدير حاليا شركة كوندويت كابيتال ومقرها سيدني، "لقد قمنا بشراء مجموعة من الشركات المحلية والدولية المنصاعة للصين والمرتبطة بالابتكار، والمستهلكين، والصحة والرفاه، والتكنولوجيا". وقال أيضا، "يتم تقييم هذه الشركات بأقل بكثير من مثيلاتها في الدول الأخرى."
كما تسهم المركبات الكهربائية، والأتربة النادرة وأشباه الموصلات في انتقال الصين إلى الاقتصاد الصديق للبيئة وإلى الرغبة في تعزيز سلسلة التوريد المحلية. وقال، "بالنظر إلى الصين، أعتقد أنها قد تكون مسألة تتعلق بما يمكن أن يسير في الاتجاه الصحيح، بدلا من الظن بأن العجلات آيلة للسقوط".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES