Author

100 عام .. وتاريخ حافل للصحافة السعودية

|
ربما يكون من المصادفات الجميلة أن بلغ تاريخ الصحافة السعودية قرنا كاملا من الزمان، وهذا التاريخ يأتي مع احتفالاتنا الـ 91 باليوم الوطني، ففي الجمعة الـ 15 من جمادى الأولى 1343هجرية صدر العدد الأول من صحيفة "أم القرى" من مكة المكرمة، وهي أول صحيفة سعودية حكومية ما زالت تصدر حتى اليوم، والناس يعرفون "أم القرى" على أنها صحيفة حكومية فحسب، والواقع أن "أم القرى" ذاكرة تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية للمملكة، وهي أيضا مركز للمعلومات، فقد كانت وما زالت تنشر البلاغات والأوامر والمراسيم الملكية، وكذلك تنشر أخبار المجتمع، وأخبار الرياضة، والأدب، وتنشر المقالات والقصائد الشعرية شأنها شأن أي صحيفة ورقية سيارة أخرى.
بمعنى أن صحيفة "أم القرى" تعد مرحلة مهمة من مراحل تاريخ الصحافة السعودية، لأنها تحملت مسؤولية نشر البلاغات الحكومية والأوامر والمراسيم الملكية، ولعبت دورا كبيرا في تصميم الهوية وترسيخ الأمن والاستقرار في جميع ربوع مملكتنا الفتية، كما تحملت صحيفة "أم القرى" مسؤولية بناء وتدريب الكوادر السعودية في مجالات العمل الإعلامي والصحافي، حيث تبنت مجموعة من خريجيها مسؤولية إصدار أول صحيفة أهلية في السعودية في 1932 ( 1350هـ)، وهي صحيفة "صوت الحجاز" التي أصدرها محمد صالح نصيف المعروف باسم جنرال الصحافة الأهلية السعودية، ثم غير اسمها إلى اسم صحيفة "البلاد السعودية".
وبالنسبة لتاريخ الصحافة السعودية فقد شهد 1963 صدور نظام المؤسسات الصحافية الأهلية ونشر النظام في صحيفة "أم القرى"، وبموجب هذا النظام، فقد صدرت الصحافة الأهلية من خلال المؤسسات الصحافية بدلا من الشركات الفردية، وتحولت ــ على سبيل المثال ــ صحيفة "البلاد السعودية" إلى مؤسسة البلاد للصحافة والنشر وغيرت اسم "البلاد السعودية" إلى اسم صحيفة "البلاد" التي ما زالت تصدر حتى اليوم، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الصحف الأهلية الأخرى التي صدرت عن طريق المؤسسات الصحافية، بينما ظلت صحيفة "أم القرى" تصدر كصحيفة حكومية تعنى بنشر الأنظمة والأوامر والمراسيم الملكية، ولعبت دورا مهما في تنفيذ برامج تصميم الهوية السعودية، ونشر ثقافة الوحدة الوطنية، ودعم التعليم العصري الحديث، وإطلاق منصات القوة الناعمة في جميع ربوع البلاد حتى أصبح المجتمع السعودي ذا هوية وطنية يتنادى بها كل السعوديين في جميع أنحاء مملكتنا الفتية.
وأرجو أن يتذكر معي كل مواطن سعودي ونحن بصدد الاحتفال في الأيام المقبلة بمناسبة اليوم الوطني الـ 91 أن العدد (406) بتاريخ 23 سبتمبر 1932 حمل التماس المواطنين المرفوع إلى الملك عبدالعزيز بأن يصدر أمرا ملكيا بتغيير اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى اسم يعبر عن الدولة السعودية الواحدة، واقترح الأهالي أن تسمى المملكة باسم المملكة العربية السعودية.
وقد استجاب الملك المؤسس عبدالعزيز لالتماس الأهالي وأصدر الأمر الملكي رقم 2716 الذي نص في ديباجته الغراء على ما يلي: "بعد الاعتماد على الله وبناء على ما رفع من البرقيات من جميع رعايانا في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ونزولا على رغبة الرأي العام في بلادنا وحبا في توحيد أجزاء هذه المملكة العربية أمرنا بأن يحول اسم المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية".
ومنذ ذلك التاريخ الخالد أصبح اسم البلاد هو المملكة العربية السعودية التي أخذت تبني مقومات نموها عاما بعد عام حتى أصبحت اليوم عضوا في مجموعة العشرين، أي أن المملكة اليوم تقف في مصاف الدول العشرين الأعظم على مستوى العالم.
إن حجم الإنجازات التي حققتها المملكة منذ تاريخ الوحدة الوطنية، نجد فيه أن ما تحقق يعد معجزة، ولو تحدثنا عن منصات الإعلام السعودي، وتحدثنا عن مؤسسات التعليم والصحة والمواصلات والكهرباء والمياه والرياضة والترفيه وبناء المدن نلاحظ أن ما تحقق هو ضرب من ضروب الإعجاز، فالمدارس والمعاهد والجامعات والأندية منارات تنتشر في كل بقاع المملكة، كذلك المستشفيات ومؤسسات الضمان الاجتماعي، ومحطات تحلية المياه، ووسائل الإعلام، وشرايين الطرق التي تربط كل أطراف المملكة بشبكة من الطرق الحديثة بما يضاهي أكثر الدول تقدما في العالم، وأكثر من هذا، فإن المملكة مقبلة على مباشرة تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة بدءا من الطاقة الشمسية والطاقة النووية حتى البترول الصخري.
إن تاريخ النهضة في هذه المملكة الفتية يتزامن مع تاريخ صدور العدد الأول من صحيفة "أم القرى" التي كانت وما زالت ذاكرة حية لبرامج التنمية الشاملة في هذا الوطن العظيم، إن تاريخنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرياضي والثقافي لا يمكن كتابته إلا من خلال صحيفة "أم القرى"، هذه الصحيفة التي سجلت بأحرف من نور جميع مراحل بناء المملكة منذ أن كانت مناطق مترامية الأطراف في قلب جزيرة العرب حتى وصلها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ثم أصدر الأمر الملكي رقم (2716) في 23 سبتمبر 1932.
لقد شهدت صحيفة "أم القرى" كل الانطلاقات التي انطلقت لبناء مملكة الخير والإنسانية، واليوم تخوض المملكة رؤية 2030، وهي رؤية طموحة تستهدف القفز إلى الصفوف الأولى بين الدول التي حققت معدلات عالية في التحول الرقمي والتنمية المستدامة، وفي حضن الرؤية الجديدة والمتجددة ستظل صحيفة "أم القرى" هي الذاكرة التي تحفظ مشاريع التنمية، وهي السجل الشامل لهذا الكيان الكبير.
إنشرها