Author

سوق مثقلة بالديون

|

يبدو واضحا أن الساحة الاقتصادية الصينية ستشهد ضغوطا كبيرة في المستقبل القريب، وسط توتر شديد من إمكانية تخلف أكبر مؤسسة للعقارات في البلاد "إيفرجراند" عن السداد، والمخاوف الآتية من هذه المسألة متعددة ومتنوعة وأيضا مختلفة، خصوصا في ظل الاضطرابات الاقتصادية التي تشهدها الصين كبقية دول العالم، بفعل تفشي وباء كورونا، وتوقف الحراك الإنتاجي، أو تراجعه خلال مدة زمنية طويلة.
ورغم عودة الحراك الاقتصادي إلى ما كان عليه قبل الجائحة، إلا أن الآثار التي تركها على مجمل الاقتصاد المحلي ستبقى لبعض الوقت، كما هو الأمر في معظم الدول، فأزمة كبيرة مثل تلك التي يشهدها عملاق العقارات الصينية، ستربك مسيرة التعافي الكامل، بصرف النظر عن قدرة الاقتصاد الوطني على سرعة تحقيق النمو المستهدف.
أزمة مؤسسة العقارات، لها عواقب ونتائج خطيرة للغاية، فهي قد تضر قطاع المصارف والمؤسسات المالية، ولا سيما بعد أن بلغت ديون الشركة أكثر من 300 مليار دولار. هذا النوع من المشكلات، يعيد إلى الأذهان بالطبع الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، التي كان سببها المباشر تخلف أكبر شركات الإقراض العقاري "ليمان براذرز" عن السداد، وانهيار سوق العقارات، ولم تنجح وقتها كل التدخلات الحكومية من أجل تفادي الأزمة الكبرى، ما نقل هذه الأزمة إلى الساحة العالمية كلها، والسبب في الانتشار السريع لأزمة مالية أمريكية محلية، أن الاقتصاد العالمي متداخل بعضه ببعض، صحيح أن خسائر "إيفرجراند" الصينية لا ترقى لمستوى خسائر المؤسسات المالية الأمريكية آنذاك، إلا أن هذه الشركة نشرت الاضطراب في الأجواء، حتى قبل أن يحسم أمر خسائرها.
أزمات كهذه تنتقل بصورة سريعة إلى المصارف التي توفر القروض العقارية وغيرها من القروض، ما يعني أن المنظومة المالية بدأت تهتز بالفعل، وهي الآن تحت اختبار صعب من جهة التحمل، ومن جانب القدرة على التقليل من الآثار المترتبة على إمكانية انهيار هذا العملاق العقاري.
في ظل التداعيات الراهنة، كان طبيعيا أن تتعرض أسهم "إيفرجراند" إلى الانهيار، ما أسهم في رفع حدة التوتر والضغوط في الأيام القليلة الماضية على صعيد الشركة والساحة الاقتصادية المحلية بشكل عام، ففي يوم واحد، انخفض سعر سهمها 11 في المائة، في حين أن الأسهم انخفضت في الواقع بنسبة 80 في المائة من مطلع العام الجاري، مع ضرورة الإشارة إلى أن سوق العقارات في الصين مثقل بالديون أصلا، ما يرفع مرة أخرى من مخاطر تخلف "إيفرجراند" عن السداد في مرحلة قريبة، بحسب التوقعات.
قطاع العقارات في الصين يسهم بأكثر من 25 في المائة من الاقتصاد الوطني، وهذا ما يرفع التأثيرات الخطيرة للمؤسسة العقارية على المصارف والمستثمرين. هذه الشركة أغرقت نفسها في الديون، عبر رفع مستوى اقتراضها في الأعوام السابقة، وذلك وسط نمو كبير آنذاك في الصين ككل، وفي القطاع العقاري على وجه الخصوص. لا يعرف مدى تأثير هذه الأزمة في الاقتصاد الصيني، إلا أن مشكلة هذه المؤسسة ستكون اختبارا حقيقيا لمدى صمود وقوة القطاع المالي، وخصوصا الجانب المتعلق بالتمويل العقاري.
الحل الوحيد لأزمة كهذه، أن يتدخل البنك المركزي لدعم "إيفرجراند"، قبل أن تصل إلى مرحلة التخلف عن السداد إلى نقطة بعيدة، ففي كثير من الدول، لا تتحمل الحكومات انهيارا بهذا المستوى، ليس من جهة الخسائر المالية فحسب، بل من جانب السمعة السلبية التي يتركها أي انهيار تتعرض له مؤسسة كبرى على الساحة الاقتصادية المحلية.

إنشرها