Author

حتى لا تنتهك البيانات

|

في العقد الماضي تطورت الحياة الاجتماعية للبشرية بشكل سريع لا يمكن تصوره، خصوصا مع دخول التقنية كل منشأة ومنزل، وسهولة استخدامها في أي مكان وزمان. وجاء التحول متزامنا مع تزايد سرعات شبكات الاتصال والأجهزة الإلكترونية، ما أدى إلى نقل البيانات بسرعة ودقة كبيرة. ومكنت هذه التطورات مجتمعة من تحقيق تحول وتغيير جذري في الحكومة الإلكترونية، خاصة مع تسارع إجراءات الحصول على الخدمات واستخراج السجلات والوثائق الشخصية.
لكن الوصول إلى هذه المزايا أدى إلى انتهاك الخصوصية بسبب ظاهرة انكشاف الأرقام الخاصة بالاتصال الشخصي، وأرقام الهوية، وغيرها من المعلومات الشخصية، التي باتت تروج ضمن سوق واسعة مجهولة المصدر. ورغم أن تطور التقنيات التي تمنح مزايا التحقق من الشخصية عززت الأمان المعلوماتي، ودعمت نمو التجارة الإلكترونية، وكان لها الفضل في تجاوز المجتمعات للآثار التي صاحبت انتشار فيروس كورونا، إلا أن التواصل المستمر والواسع بين المجتمع والاستخدامات المنتشرة والمتسارعة لبرمجيات التحقق من الشخصية، سمح بكشف معلومات وصور وحقائق عن الأشخاص، تمثل في مجملها بيانات ذات خصوصية عالية وتعد سرية في الوقت نفسه.
وحققت السعودية مع خطط وبرامج "رؤية 2030" قفزة نوعية واستراتيجية، فما كان الحصول عليه يتطلب أياما وطوابير من الانتظار، تحول إلى إنجازه اليوم خلال دقائق، بفضل وجود اتصال قوي بشبكات الإنترنت وهاتف متنقل من نوعية متطورة، وهذا التقدم الكبير في الاتصال الشبكي حقق تقدما مميزا في التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي بالتفاصيل كافة، ويتطلب وجود نظام يكافح تجارة البيانات الشخصية غير الشرعية.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما تمتلكه الأجهزة الحديثة من قدرات ضخمة في حفظ البيانات لمدد طويلة مع التصوير والتسجيل المرئي والمسموع، وكذلك تتبع الأشخاص ومراقبتهم، وسهولة نشر هذه المعلومات في وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة هائلة وسهلة ويصعب السيطرة عليها في الوقت نفسه، بما ينتهك خصوصية الناس المحفوظة شرعا، لهذا كله فإن أمام الحكومات في العالم مسارات مختلفة، من بينها تقييد سرعات الإنترنت والتحكم في سعة الاتصال، وإيقاف نشر شبكات السرعات العالية من مثل G4، وG5. لكن مثل هذه الحلول تعني التضحية بالنمو والتقدم الاقتصادي الرقمي وغير الرقمي، وفقدان الاندماج مع المجتمع الدولي وتراجع الخدمات وسرعة إنجازها، وتعد تضحية كبيرة جدا، كما أنها حل مؤقت نظرا إلى التقدم المتواصل في آليات نشر شبكات الاتصال ذات السرعات العالية التي أصبحت تستهدف تجاوز الحدود من خلال النشر الفضائي.
والاتجاه الآخر في هذه المعالجة تعزيز الأساليب والوسائل التي تحمي البيانات الشخصية للأفراد والمؤسسات، وعدم السماح باستخدامها خارج إطار القانون، مع التشدد في العقوبات بشأن استخدام البيانات الشخصية، ولكن هذا الأمر يتطلب بنية تحتية متقدمة. وهذا ما تبنته السعودية، فقد أنجزنا تقدما بارزا في شبكة تقنيات الخدمات الرقمية وتقديم الخدمات من خلال الذكاء الاصطناعي، فالحكمة تقتضي التشدد في حماية البيانات الشخصية ومعاقبة كل من يسهم في استغلالها أو نشرها أو تداولها بصورة غير قانونية، ولو كان لأغراض الإعلانات التجارية، فهذا الاتجاه يعزز الاستخدام الفاعل لمنتجات تقنية المعلومات وشبكات الاتصال الاجتماعي، كما يدعم تطبيقات التجارة الإلكترونية، ولأن هذا هو الخيار الصحيح.
وتسابقت الدول في الآونة الأخيرة إلى إصدار أنظمة لحماية البيانات الشخصية في مواجهة ظاهرة استغلال البيانات، سواء من الشركات أو قراصنة الإنترنت للحد منها. ويواكب النظام توجهات الدولة في تنظيم قطاع البيانات المرتكز الرئيس لمفهوم الاقتصاد الرقمي. ويمكن القول إن الأفراد أكثر الفئات تعرضا لانتهاك البيانات، وتسويقها واختراق الخصوصية دون معرفة الجهات التي تستغل الوضع، مع التأكيد أن الجميع متضرر، الحكومات أو الشركات. وينتظر أن يدعم النظام موثوقية عملية التحول والوصول إلى مجتمع معلوماتي يعزز أداء القطاع الخاص ونمو الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويرسخ مفهوم الخصوصية الفردية، وسرية البيانات، حتى لا تنتهك معلوماتنا.

إنشرها